للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل الروايات؟ فإنْ قلْنا: لا يثبت، أو ثبت، وسبيلُه سبيلُ الروايات، فلا استثناء في اعتبارِ العدَدِ في الشهادات وإنْ أثبتناه، وجعلْنا سبيلَهُ سبيلَ الشَّهادات، وهو الأصَحُّ، فهذه الصورة مستثناةٌ عنه.

ومسألة الشاهِدِ واليمين ينقض قولنا: إن قول الشاهِد الواحِد غَيْر مكتفٍ به للحُكْم، وإنْ قِيل عَلَى وجه: إنَّ القضاء هناك بالشَّاهد علَى ما سيأتي؛ لأنَّ ذلك القائل لا ينازع في كون اليمين شرطاً؛ لجواز الحُكْم بالشاهد، فلا يكون قول الشاهد مكتفٍ به.

وإذا عُرِفَ ذلك، فإنَّ صاحب الكتاب رتَّب الشهاداتِ عدَداً وصفةً علَى ثلاث مراتب:

إحداها: الشهادةُ على الزنا، وإنَّما يثبت الزنا بشهادةِ أربعةٍ من الرجالِ، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] قال تعالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ} [النور: ١٣] وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساَء: ١٥] وَقَالَ سَعْدُ بْن أَبِي وَقَّاصٍ -رَضَىَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدَتُّ مَعَ امْرَأتِي رَجُلاً، أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ فَقَالَ: نَعَمْ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالخَلِيفَتَيْنِ بَعْدِهِ أَلاَّ تُقْبَلَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ (١) وَفِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَا قَوْلاَنِ:

أحدهما: أَنَّهُ لاَ يثبُتُ إلا بأربعة أيضاً؛ لأنه يتعلق به إقامةُ الحَدِّ، فأشبه نفْسَ الزنا.

والثاني: يثبت بشاهِدَيْن؛ لأنَّ المشهود علَيْه قولٌ، وإقرارٌ، فأشبه سائر الأقوالِ والأقارير، قال القاضي الرُّويانيُّ: وهذا أصحُّ، وعن الشيخ أبي عاصم نقلُ قولٍ غريبٍ: أن القذف إنَّما يثبتُ بشهادة أربعةٍ؛ لأَنَّه نسبةٌ إلى الزنا، فكان كالإِقرار، والصحيحُ خلافُه؛ واللواطُ وإتيانُ البهيمةِ، إنْ أوجبنا بهما الحدَّ، فلا يثبتان إلاَّ بأربعةٍ، وإنْ لم نوجِبْ إلاَّ التعزيرَ، فوجهان: وقال صاحب الكتابَ: قَوْلاَن:

أحدهما: الثبوت بشاهَدَيْنِ كسائر الجنايات، وبهذا قال ابن خيران، ويُحْكَى عن المُزَنيِّ أيضاً.

وأصحُّهما: المنْعُ، ووجَّهوه بأنَّه إيلاجُ فَرْجٍ في فرجٍ، فكانتِ الشهادة علَيْه كالشهادة على الزِّنَا.


= الشاهد الواحد على القول بالحيلولة والوقف به لا يثبت به الحق المدعي إنما هي حيلولة ووقف وليس من الحكم في شيء.
(١) روي عن مالك عن عقيل عن الزهري بهذا، وزاد: ولا في النكاح، ولا في الطلاق، ولا يصح عن مالك، ورواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن الحجاج عن الزهري به، ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن حجاج به.

<<  <  ج: ص:  >  >>