إحداهما: وقد تعرَّض لها مرَّةً في الكتاب في باب السرقة، وليس لها اختصاصٌ بهذا الموضع: يُشْترطُ في الشهادة عَلَى الزِّنا أَنْ يذْكُروا التي زَنَا بهَا، وأَنْ يذكُروا الزِّنَا مفسراً، فيقولوا: رأيناه أَدْخَلَ فرْجَهُ في فَرْجِهَا؛ كالمرْوَدِ في المُكْحُلَةِ، أو كالرُّشَا في البِئْرِ، ولا يكفي إطلاق الزنا؛ فإنَّهم قد يظنون المفاخذَةَ زِناً، فقد ورد في الخَبَرِ "زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرِ"(١) وقد تكون الموطوءة أمَةً مشتركةً بَيْنَةُ وبين غيره أو جاريةَ ابْنِهِ، فالشاهدُ يظنُّ إصابتها زناً، وليس كما إذا ادَّعت وطء شبهة، وطالبت بالمَهْر حيث يكفي شهادةُ الشُّهُود على الوطء، ولا يُشْتَرَطُ أنْ يقولوا: رأينا ذلك منْه في ذلك منْها؛ لأن المقصود هناك المالُ، فلم يلزم هذا الاحتياط.
الثانية: هل يجوزُ النَّظَر إلى الفَرْج، لتُحَمُّل شهادة الزِّنَا والشهادة على الولادة، أو شيء من العُيُوب الباطنيَّة أو لا يجوز وإنَّما يشهدُ عليها عند وقوع النَّظَر عليه اتفاقاً فيه وجوه؛ ذكرناها في أول النكاح، وأصحُّهما: الجواز، وهو الذي أورده صاحب الكتاب هناك في شهادة الزنا، ويُحكَى هذا عن نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- في "أحكام القرآن" وغيره، وبه قال أبو إسحاق، وابن القاصِّ.
والثاني: المنع مطلقاً.
والثالث: لا يجوز؛ كشهادة الزنا ويجوز لغيرها.
وهذه الثلاثة أوردها هُنَا.
والرابع: أنَّه يجوز للزِّنَا، ولا يجوز لغَيْره؛ لأنَّ الزانِيَيْنِ هتكا حُرْمَتَهما بالزِّنَا، ويُقَالُ: إنَّ أبا الطيِّب بْنَ سلمة كان يقول بهذا، ثم رجَع إلى الأول.
وقوله في الكتاب:"إلاَّ في هلال رمضان" لو أعلم بالميم؛ لما مر في الصوم، جاز.
وقوله:"للشهادات ثلاثُ مراتب؛ الأولَى الزنا" قال: "الثانية: ما عدا الزنا" يعني الشهادة في الزنا والشهادة فيما عدا الزنا، فحذف لوضُوُحه.
وقوله:"أَدْخَلَ فرجه في فرْجِها" لا يخفى أنَّ الحكم منوطٌ بقدْر الحشفة لا بجميع الفَرْج، وأنَّ الشاهد يتعرَّض مع ذلك؛ لكونه على سبيل الزنا، ولم يعدَّه في كلام الشهود؛ اكتفاء بأنَّ الكلام في الزنا، والتشبيه بالمِرْوَدِ والمُكْحُلَة زيادةُ بيان، وليس بَشْرط، كذلك ذكره القاضي أبو سَعْدٍ.
(١) رواه مسلم من حديث أبي هريرة وقد مضى في اللعان.