قَالَ الرَّافِعِيُّ: المرتبة الثانيةُ للشهادَةِ فيما ليس بمالٍ، ولا يُقصَدُ منه المالُ، وهو إمَّا عقوبة أو غيرُها.
أمَّا قسم العقوبات، فإنَّها لا تَثْبُت إلاَّ برجلَيْن يستوي فيه حقُّ الله تعالَى؛ كحد الشرب، وقَطْع الطريقِ، والقَتْل بالردَّة، وحقُّ العباد، كالقصاص في النَّفْس، والطَّرَف، وحدِّ القذف، والشهادةُ على الإِقْرار بها كالشهادةِ بنَفْسها، والتعزيرُ كالحدِّ، فلا مدْخَلَ لشهادة النساء فيها، لما مر من حديث الزّهْرِيِّ -رضي الله عنه-.
والقسم الثاني: في غير العُقُوبات، فإمَّا أَنْ تطلع عليه الرجال غالباً أو لا يطلع، ويختص معرفته بالنساء غالباً.
الضرب الأول: ما يطلع عليه الرجالُ غالباً، كالنكاح، والرجعة، والطلاق، والعَتَاق، والإِسلام، والردة، والبلوغ، والولاء، وانقضاء العدة وجرح الشهود، وتعديلهم، والعفو عن القصاص، وكل ذلك لا يَثْبُتُ إلا برجلين أيضاً، ولا تُقْبَلُ فيه شهادةُ رجُلٍ وامرأتين؛ خلافاً لأبي حنيفة.
واحتج الأصحابُ بقياسها على القصاص، لجامع أنَّ ذلك ليس بمال، ولا المَقْصِد منه المال، وهو مما يطَّلع عليه الرجال، ومن هذا الضرْب الوكالة، والوصاية، وإن كانتا في المال؛ لأن كل واحدةٍ منهما في نفسها ولايةٌ وسلطنةٌ، ومن ادَّعاهما فإنَّما يدَّعي ويثبت قولاً للغير لا مالاً؛ ومنه الإِيلاءُ، والظِّهار، والموتُ، والإِعسار، والخُلْعُ من جانب المرأة، والكتابةُ، والتدْبيرُ، والاستيلادُ، إذا ادعاها المملوك، وحكى القاضي ابن كج في الكتابة وجهاً: أنه يثبت برجلٍ وامرأتَيْنِ، والشركةُ والقِرَاضُ معدودانِ في "التهذيب" مما نحن فيه؛ لأن كلَّ واحد منهما توكيل وتفويض يُصْرَفُ إلَى الغير، وأُدرجَ في "الوسيط" الشركة فيما يثبت برجل وامرأتين، والأول أظهر، ومنه القضاء والولايةُ إن أحوجنا فيهما إلى البينةِ، والشهادة على الشهادةِ، والإِحصانُ، وكفاله البدن، والشهادة برؤية هلال غير رمضان.
والضرب الثاني: ما لا يَطَّلع عليه الرجال غالباً، يختصُّ بمعرفته النساء، فتُقْبَلُ فيه شهادتهن على انفرادِهِنَّ، لما رُوِيَ عن الزُّهْريِّ -رضي الله عنه- أنه قال: "مَضَتِ السُّنَّةُ