للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجُل وامرأتين، وحكم الحاكم به، ثم جرى التعليقُ؛ فقال لزوجته: إن كُنْتِ غصبْتِ، فأنت طالقٌ وقد ثبت عليها الغصْبُ، كما وصفنا، وقع الطلاق، بخلافِ ما لو تقدَّم التعليق على الشهادة والحكم، وهذا ما أورده صاحب الكتاب، وقياسُه أن يكون الحُكْمُ كذلك في التعليق برمضان، وحكَى الإِمَامُ أن شيخه حكَى وجهاً آخر: أنه لا يقع، كما لو تقدَّم التعليق، وقد يُفْرَق بينهما بأن التَعليق بعْد حُكْم القاضي واقعٌ بعْد ثبوت الغَصْب في الظاهر، فَيُنَزَّلُ عليه، وإلاَّ، فهو مراغمةٌ يحكم القاَضي، وقد صرَّح فيه، والتعليقُ قبله منصرفٌ إلى نفس الغصب، فإذا شهد رجلٌ وامرأتان، لم يقع الطلاق، وإن ثبت الغصبْ.

كما لا ثبت القطْع في السرقة، وإن ثبت المال، وذكر القاضي الرويانيُّ في تقرير كلام ابن سُرَيْج؛ أنه قد يترتب على البينة ما لا يثبت بتلك البينة؛ ألا ترى أن النَّسَب والميراث يترتَّبان على الولادة وثبتت الولادةُ بشهادة النساء وحْدَهُنَّ، ولا يثبتان بشهادة النِّساء وحْدَهُن؟ ولكن هذا يدْفع الفَرْق، ويقتضي وقوع الطَّلاَق والعتْق، وإن تقدَّم التعليق على الشَّهادة، وحكم الحاكم، ويؤيِّده أنا إذا قَبلْنا شهادة الواحِدِ في هلال رمضان، وصُمْنا ثلاثين، نفطر، وإن لم نر الهِلاَل على أظهر الوجهين، كما مَرَّ في موضعه.

وفي هذه الصورة انتشار واضح ظاهرٌ، وربما أمكن لمُّ بعضِ الشَّعَث بأن يقال: ما شَهِدَ به رجلٌ وامرأتانِ، لم يخل؛ إِما أن يكون نفسه مما تثبت بشهادتهم، أو لا تثبت، إن لم تثبت، كالسرقة، والقتل، فإن كان له موجب يثبت بشهادتهم كالمال الذي هو أحدُ موجِبَيِ السرقة، يثبت، والقاضي، والحالةُ هذه، لا يحكم بالسَّرقة، وإنما يحكم بالمال في سرقةٍ شَهِدوا بها، وإن لم يكُنْ له موجبٌ بشهادتهم، لم يثبت شيءٌ؛ كالقصاص الذي هو موجِبُ العمد، على أحد القولَيْن، وكأحد الأمرَيْنِ، إذا قلنا: إنه موجبة أحد الأمرين.

فإن شهادة رجل وامرأتين، إنَّما تصلح للدِّيَة على التعْيين، لا لأحدهما علَى الإِطلاق الذي جعَلْنَا موجباً علَى هذا القول، وإِن ثبت نفس المشهود به بشهادتهم، فاَلمرتَّب عليه، إما شرعيٌّ، أو وضعىٌّ، إن كان شرعيّاً كالنسب، والميراثِ، المرتَبيْن على الولادة، فيثبتان؛ تبعاً للولادة؛ لأن الترتيب الشرعيَّ يُشْعر بعموم الحاجة، وتعذَّر الانفكاك، أو تعسّره.

ومِنْ هذا القبيل الإِفطارُ بعد الثلاثين، وإن كان وضعيّاً، كترتيب الطلاق، والعتق بالتعيْين، وترتُّب الحلول بالتأجيل، فلا ضرورة في ثبوت الثاني بثبوت الأول، فإن علق به بعد ثبوته، ألْزَمْناه ما أثبتناه، كما ذكره ابن سُرَيج، والله أعلم.

وقوله في الكتابِ "إذا شهد على السرقة، أو العمد رجلٌ وامرأتان، ثبت المال، وإن لم تثبت العقوبة" فيه تسويةٌ بين أن يشهدوا على السرقة وبيْن أن يَشْهَدوا على القتل

<<  <  ج: ص:  >  >>