للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: ويُحْكَى عن الإِصطخري المنع؛ لأنَّ عدالة الشاهدَيْن غيرُ معلومةٍ، والأصل براءة الذمَّة، وعلى هذا؛ قيل: إنْ تكفَّل، فللمدَّعِي ملازمَتُه إلَى أن يُعْطِيَه كفيلاً، وأجرة من يبعثه القاضي معَهُما للتكَّفيل علَى المدَّعِي، وإنْ كان المدَّعَى قصاصاً، أو حد قذفٍ، يُحْبَسُ المشهود عليه، لأن الحقَّ متعلِّق ببدنه، فيحتاط له (١) وفي حدود الله تعالَى لا يُحْبَسُ.

وفي دعْوَى النكاح تُعْزَل المرأة عند امرأةٍ ثقةٍ، وتمنع من الانتشار والخُروج، وفيه وجه ضعيفٌ وعلى هذا؛ هلْ يُؤْخَذ منها كفيلٌ؟ فيه وجهان عن صاحب التَّقْريب، قال القاضي أبو سَعْد: فإِنْ كانت المرأَةُ تحْت زوْجٍ، لم يمْنَعْ منْها الزوج قبل التعديل؛ لأنه ليس مدعى عليه، وليس البُضْع في يده، فلا معنى لإِيقاع الحَجْر علَيْه قبل التعديل، ولو شهد شاهِدَان لعَبْدٍ بأن سيِّدَه أعتقه، وطلَبَ العَبْدُ الحَيلولة قَبْل التزكية، فيجيبه القاضي إليه ويحول بينه وبين سيِّده، ويؤخِّره، وينفق علَيْه، فما فضل، فهو موقوفٌ بينه وبيْن سيِّده فإن لم يكُنْ له كسْبٌ، أنفق عليه مِنْ بيْت المال، ثم يُرّجَعُ عَلَى سيِّده، إنْ بان جرح الشهود واستمر الرقُّ، وكذلك الأعيان المنتزعة يؤجرها وهل يتوقَّف الحيلولةُ على طلب العَبْد؟ فيه وجهان، الذي أوْرَدَه، الإِمام أنَّه إذا رأَى القاضي أن يحول بينهما. فَعَلَ، ولا حاجة إلَى طلب العبد وفي الأمَّة تنحتم الحيلولةُ، احتياطاً للبُضْع وكذا لو ادَّعَتِ المرأة الطَّلاق، وأقامت شاهدَيْن، ففَرَق الحاكمُ بينهما قَبْلَ التزكية، والوجهان في أنَّ طلب العبْد، هل يُشْترط للحيلولة جاريان في انتزاعِ العَيْن المدَّعاة، ويقْرُب منهما وجهان حكاهما القاضِي ابن كج في أنَّ إجارة العبد تفتقر إلَى طلب اليد أو العبد أو يؤجِّره القاضي، وإن لم يطلُبْ واحدٌ منهما، والثاني أقرب إلى ظاهر النصِّ، هذا كلّه فيما إذا أقام المدَّعِي شاهدَيْن.

ولو أقام شاهداً واحداً، وطلب الانتزاع قَبْل أن يأْتي بآخر، هل يُجَابُ فيه قولان:

أحدهما: نعم، كما لو تمَّ العدَدُ، وبَقِيتِ الحاجةُ إلَى التَّزْكية.

والثاني: لا؛ لأنَّ الشاهِدَ الواحدَ لَيْسَ بحُجَّة، وهناك قد تمَّت حُجَّته، وليسَتِ التزكية جزءاً من الحجَّة، وإنَّما تبين بها قيام الحجَّة، وهذا أصحُّ عند عامة الأصحاب، واختار القاضي الروياني الأول.

وعن أبي إسحاق: أنه قطعَ بِهِ؛ لأنَّ المال يَثْبُت بشاهدٍ ويمينٍ، وله أن يحلف معه متَى شاء، فكأَنَّ الحجَّةَ تَامَّةٌ، وحكى أبو الفرج طريقة قاطعة بالثاني؛ لأنه متمكِّن من إتمام حجَّته بالحَلِف، فإذا لم يفعل، كان مقصِّراً، وله يُحْبَسُ المدَّعَى عليه في القذْف


(١) قال النووي: قال البغوي: سواء قذف زوجته أو أجنبياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>