للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: ما يكْفِي فيه الإِبصارُ، وهو الأفعالُ، كالزنا، والشرب، والغصْب، والإِتْلاَف، والوِلاَدَة، والرَّضَاع، والاصطياد، والإِحياء، وكون المال في يد الشخص؛ فيُشْتَرَط فيها الرؤْيَة المتعلِّقة بها وبفاعليها، ولا يجوز بناءُ الشَّهادة فيها على السَّمَاع من الغَيْر، وتُقْبَل فيها شهادةُ الأصَمِّ،

والثالث: ما يحتاج إلى السَّمْع والبَصَر معاً؛ كالأقوال، فلا بدَّ من سماعها، ومن مشاهدة قائِلِهَا، وذلك كالنكاح (١) والطلاق، والبيع، وجمِيع العقودِ، والفُسُوخِ، والإقْرَارِ بها، فلا تُقْبَلُ فيها شهادةُ الأصمِّ الذي لا يسمع شيئاً، ولا تَقْبَلُ شهادةُ الأعمَى فيمَا يحتاج إلى الإِبْصَار (٢)، ولا يصحُّ فيه التحميلُ؛ اعتماداً على الصوت، فإن الأصواتَ تتشابه، ويتطرَّق إليها التخيُّل والتلْبِيس، وقال مالك وأحمد -رحمهما الله-: له التحمُّل والشهادَةُ، اعتماداً على الصوتْ، كما له أن يطأ زوْجته، ويميِّز بينها وبين غَيْرها بالصَّوْت ونحوه، وأجاب الأصحاب بأنَّ الشهادة مبيَّنةٌ على العِلْمُ ما أمكن، والوطء يجوز بالظنِّ، وأيضاً، فالضرورة تدْعو إلَى تجويز الوطْء له، ولا تَدْعو إلى الشهادة؛ فإنَّ في البَصَر غنية عنه، ويُستَثْنَى عن هذه القاعِدة صورة الضبط، وهي أن


(١) قال البلقيني: يحتاج إلى شرط ثالث وهو أن يكون الشاهدان عارفين باللغة التي يعقد بها النكاح على الصحيح.
فإن قيل هذا شرط لانعقاد النكاح والكلام في شرط الأداء في الأقوال، قلنا أداء الشهادة مبني على صحة التحمل، وإذا لم يصح لا يصح أداء الشهادة.
(٢) أورد في المهمات على الحصر باقي الحواس. قال في الخادم: وهذا الاعتراض اعترض به على الشَّافعي وقد أجاب عنه الأصحاب بأنه قصد به وجوه العلم التي تقع بها الشهادة فإنه لا يحتاج إلى الذوق والشم في تحمل الشهادة ومعظم الشهادة أن يكون بالوجوه الثلاثة، قال -أعني صاحب الخادم-: وما جزم به يعني الرافعي هنا في الشهادة على اليد من عدم السماع بالاستعاضة هو بحث له وليس له المنقول فإنه قال بعد ذلك بأوراق أن ابن كج ذكر أنه يجوز الشهادة على اليد بالاستفاضة وقد تنازع فيه لإِمكان مشاهدة اليد، وقول المصنف لا تقبل شهادة الأعمى فيما يحتاج إلى الإِبصار، وكذا قال في المنهاج ولا يجوز شهادة على فعل كزنا وغصب وإتلاف ولاية إلا بإبصار.
قال الشيخ البلقيني في تصحيح المنهاج مقتضاه أن الأعمى لا مدخل له في ذلك وليس كذلك فيتصور شهادته في هذه الأمور كلها ففي الزنا إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة أو دبر صبي فأمسكهما ولازمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد، فهذا أبلغ من الرؤية وفي الغصب أو الإِتلاف لو جلس الأعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الأعمى في تلك الحالة والبساط وتعلق به حتى شهد بما عرفه جاز، وفي الولادة وضعت العمياء يدها على قبل المرأة وخرج منها الولد وهي واضعة يدها على رأسه إلى أن يكمل خروجه وتعلقت بهما حتى شهدت بولادتها مع غيرها قبلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>