للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشْعِرُ بأنه لاَ بُدَّ من إِنْكَارِهَا. وكان التَّصْوِيرُ فيما إذا لم تعرف (١) قَبْلُ بأَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ، وإلا، فكيف يُؤْمَرُ بأن يرجع عما أقرتِ؟ وقد تبين مما أجْرَينَاهُ، أنه لا فَرْقَ في المَسْألَةِ بين الرجل والمَرْأَةِ.

فَرْعٌ:

عن فَتَاوَى القَفَّالِ: شهد الشُّهُودُ على امْرَأَةٍ بِاسْمِهَا، ونَسَبِهَا، ولم يَتَعَرَّضُوا لمعرفة عَيْنِهَا، صَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ. فإن سألهم الحَاكِمُ: هل تعرفون عَيْنَهَا؟ فلهم أن يَسْكُتُوا، ولهم أن يَقُولوا: لا يلزمنا الجَوَابُ عما تقوله والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّسَامُعِ: وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ مِنْ قَوْمٍ لاَ يَنْحَصِرُونَ عِنْدَ الشَّاهِدِ فَيُشْهَدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ، وَفِي النَّسَبِ مِنَ الأُمِّ وَجْهَانِ لِأنَّهُ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ، وَالأَصَحُّ ثُبُوتُهُ، وَاخْتَلَفُوا في الوَلاَءِ وَالعِتْقِ وَالوَقْفِ وَالنِّكَاحِ وَمَا يَتَوَفَّرُ الطِّبَاعُ عَلَى إِشَاعَتِهِ أنَّهُ هَلْ يُلْحَقُ بِالنَّسَبِ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ المَوْتَ كَالنَّسَبِ لاَ كَالعِتْقِ، ثُمَّ لاَ يَحْصُلُ التَّسَامُعُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ، بَلْ مِنْ جَمَاعَةٍ لاَ يَجْمَعُهُمْ رَابِطَةُ التَّوَاطُؤ إِلاَّ أَنْ يُشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، وَلاَ يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِأَنْ تَسْمَعَ رَجُلاً يَسْتَحْلِفُ صَبِيَّاً أَوْ كَبِيراً سَاكِتَاً لاَ يُنْكِرُهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: عقد الفَصْل لِبَيَانِ مَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ فيه بالسماع (٢)؛ فمنه النَّسَبُ؛ فيجوز أن يَشْهَدَ بالتَّسَامُعِ، أن هذا الرَّجُلَ ابن فلان، أو أن هذه المَرْأَةَ، إذا عرف عَيْنَهَا بنت فُلاَنٍ، أو أنها من قَبِيلَةِ كذا (٣)؛ لأنه أَمْر لا مَدْخَلَ لِلرُّؤَيةِ فيه، وغَايَةُ المُمْكِنِ، رُؤْيَةُ الوِلاَدَةِ على فِرَاشِ الإنسان، لكن النَّسَبَ إلى الأجْدَادِ المُتَوَفَّيْنِ، والقَبَائِلِ القَدِيمَةِ، لا تَتَحَقَّقُ الرُّؤْيَةُ فيه، ومعرفة الفراش. فدعت الحَاجَةُ إلى اعْتِمَادِ التَّسَامُعِ.


(١) في أ: تعترف.
(٢) في أ: السماع.
(٣) قال في القوت: واعلم أن كلام الرافعي وغيره يقتضي التسوية فيما ذكرناه بين الشهادة بنسب الرجل والمرأة وكلام الماوردي يقتضي أن الأمر في الشهادة بنسبها أشد حيث قال: إن الشهادة في نسب المرأة أغلظ منها في نسب الرجل لبروزه وخفرها واباحة نظره دونها فصارت بهذين الأمرين أغلظ فاحتاج في العلم بنسبها إلى أمرين آخرين:
أحدهما: معرفة عينها على وجه مباح، وبين له وجوهاً ظاهرة.
والثاني: أن يحتاج بعد معرفة عينها في معرفة نسبها إلى الخبر المتظاهر بأن فلانة هذه بعينها هي ابنة فلان، ويكون معرفة المخبر بنسبها بعينها كمثل معرفته ثم ينظر في مظاهر الخبر، فإن كان بين رجال ونساء وصغار وكبار وأحرار وعبيد فهو الأوكد في مظاهر الخبر بنسبها، وان انفرد به النساء والعبيد صح.

<<  <  ج: ص:  >  >>