للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتنع عَامَّتُهُمْ من هذا التَّخْرِيجِ، وقَطَعُوا بأنه لا شَرِكَةَ هاهنا، كما نَصَّ عليه، ولما افْتَرَقَتِ الصُّورتَانِ، نقل الإمَامُ فيه طريقين، عن الأصْحَابِ.

قال قوم: لأن صُورَةَ كتاب الصُّلْحِ مُصَوَّرَةٌ في العين (١)، وأعيان التَّرِكَةِ مشتركة بين الوَرَثَةِ، والمُصَدِّقُ مُعْتَرِفٌ بأنه من التركة، والتَّصْوِيرُ هاهنا في الدين، والدَّيْنُ إنما يَتَعَيَّنُ بالتعيين، والقبض. فالذي أخذه الحَالِفُ تَعَيَّنَ لنصيبه بالقَبْضِ، فلم يشاركه الآخر (٢) فيه، ومن قال بهذا قال: لو فرضت مسألة الصُّلْح في الدَّيْنِ، لم تثبت الشَّرِكَةُ، ولو فرض الشاهد ويمين بعض الوَرَثَةِ في العَيْنِ، تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ.

وقال آخرون: بل السَّبَبُ ما يَثْبُتُ هاهنا، يثبت بالشَّاهِدِ واليمين، فلو أثبتنا الشَّرِكَةَ، لَمَلَّكنَا النَّاكِلَ بيَمِينِ غَيْرِهِ، وبعيد أن يَمْتَنِعَ الإِنْسَانُ من الحَلِفِ، ونحن نملكه بِحَلِفِ غيره، مع أن اليَمِينَ لا تجرى فيها النِّيَابَةُ، وهناك ما ثبت ثَبَتَ بِإِقْرَارِ المُدَّعَى عَلَيْهِ، ثم ترتب على ما أَقَرَّ به إقرار المصدق، بأنه إِرْثٌ، وعلى هذا فلا فَرْقَ هاهنا بين العَيْنِ والدَّيْنِ، ولا في صورة إقرار المدعى عليه.

وهذا الطريق الثانِي هو الذي أَورَدَهُ جمهور الأصحاب، وصَحَّحَهُ الإِمام، وخَالَفَهُمْ صاحب الكِتَابِ في "الوسيط" من وجهين:

أحدهما: أنه أشار إلى إِثْبَاتِ الخِلاَفِ في الصورتين، بالنَّقلِ، والتخريج في مَسْأَلَةِ الصُّلْح مما نحن فيه، ولم يَتَعَرَّضُوا له.

والثاني: أنه اعتمد في طَرِيقَيِ الفَرْقِ على معنى العَيْنِ، والدَّيْنِ. وهل يقضى من نصيب الحَالِفِ جميع الدَّيْنِ؟ أم يقضى بالحصَّةِ؟

قال في "الشامل": يبنى على أن الغَرِيمَ، هل يحلف؟ إن قلنا: يحلف، لم يَلْزَمْهُ إلا قَضَاءُ حصته. وإن قلنا: لا يَحْلِفْ، فيبنى على أن من لم يَحْلِفْ من الوَرَثَةِ، هل يشارك الحَالِفُ؟ إن قلنا: نعم، فيقضى منه جميع الدَّيْنِ؛ لأنا أَعْطَيْنَاهُ حكم التَّرِكَةِ.

وإن قلنا: لا، [لم] (٣) يلزم إلى الحِصَّةِ هذا هو الكلام في نَصِيبِ الحَالِفِ.

أما من لم يحلف؛ فإن كان حَاضِراً، كَامِلَ الحال، وَنَكَلَ، ذكر الإِمام: أن حَقَّهُ يَبْطُلُ بالنُّكُولِ، ولو مات، لم يكن لِوَارِثِهِ أن يَحْلِفَ.

وفي كتاب القاضي ابْنِ كَجٍّ ما ينازع فيه، وقد تَوَجَّهَ بأنه حَقُّهُ، فله تَأْخِيرُهُ. قال الإِمَامُ: ولو أراد وارثه أن يُقِيمَ شَاهِداً آخر لِيَحْلِفَ معه، لم يَتَمَكَّنْ من الحَلِفِ أيضاً.


(١) في أ: المعين.
(٢) في ز: الأخذ.
(٣) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>