للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن هل يُضَمُّ هذا الشَّاهِدُ إلى الشَّاهِدِ الأَوَّل لِيُحْكَمَ له بالبَيِّنَةِ؟ فيه احْتِمَالاَنِ جَارَيانِ، كما لو أقام مُدَّعٍ شاهداً في خُصُومَةٍ، ثم مات، فأقام وَارِثُهُ شَاهِداً آخر، يجوز أن يُقَال: له البناء عليه. ويجوز أن يُقَالَ: عليه تَجْدِيدُ الدَّعْوَى، وإِقَامَةُ البَيِّنَةِ الأولى (١)، وأنه لو أقام الوَرَثَةُ شَاهِداً، وحلف معه بعْضُهُمْ، ومات بعضهم، قبل أن يَحْلِفَ أو ينكل، كان لوارثه أن يَحْلِفَ.

لكن هل يحتاج إلى إعادة الدَّعْوَى، والشاهد؟ فيه التَّردُّدُ المذكور.

والأَشْبَهُ أنه لا يحتاج، وإن كان الذي يَحْلِفُ غَائِباً، أو صَبِيّاً، أو مَجْنُوناً, فقد نَصَّ الشَّافعي -رضي الله عنه- في المَجْنوُنِ: أنه يوقَفُ نَصِيبُهُ، واختلفوا في معناه.

قال أبو إِسْحَاقَ وعَامَّةُ الأصحاب: المراد؛ أنا نَمْتَنِع عن الحُكْمِ في نَصِيبِهِ، ونَتَوَقَّفْ إلى أن يُعْتَق، ويحلف، أو يَنْكَلُ، ولا يُؤْخَذُ نصيبه.

ومنهم من قال: أراد يؤخذ نصيبه، ويوقف. وهذا أَحَدُ قَوْلَيْهِ في أنه، هل تثبت الحَيْلُولَة بشاهد واحد؟ لأن الشَّاهِدَ الذي يُقِيمُهُ أَحَدُ الوَرَثَةِ مَقَامَ الكُلِّ؟ وقد يُطْلَقُ لهذا الاخْتِلاَفِ في المَسْأَلَةِ وَجْهَان، أو قولان.

والصَّبِيُّ والغائب مُلْحَقَانِ بالمجنون (٢)، وينبغي (٣) أن يكون الحَاضِر الذي لم يشرع في الخُصُومَةِ، أو لم يشعر بالحال، كالصَّبِيِّ، والمَجْنُونِ، والغائب، في بقاء حَقِّهِ، بخلاف ما سَبَقَ في النَّاكِلِ.

وإن فَرَّعْنَا على الأَظْهَرِ، وهو أنه لا يُؤْخَذُ نصيب المَعْذُورِينَ، فإذا زَال عُذْرُهُمْ، حلفوا، وأخذوا نَصِيبَهُمْ، ولا حَاجَةَ بهم إلى إِعَادَةِ الشَّهَادَةِ، بخلاف ما لو كَانَتِ الدَّعْوَى، لا عن جهَةِ الإِرْثِ. فإن قال: أوصى لك، ولي، ولأخي الغَائِبِ [أو الصبي] (٤) أبوك بكذا، أو اشتريت مع أخي الغائب منك كذا، وأَقَامَ شَاهِداً، وحَلَفَ معه، فإنه إذا قدم الغَائبُ، وبلغِ الصَّبِيُّ، يَحْتَاجَانِ إلى تجديد الدَّعْوَى، وإِعَادَةِ الشهادة، أو إقامة شَاهِدٍ آخر، فلا يُؤْخذُ نصيبهما قبل ذلك؛ لأن الدَّعْوَى في المِيرَاثِ عن شَخْصٍ واحد وهو المَيِّتُ، وكذلك يُقْضَى دَيْنُهُ [من] (٥) المأخوذ، وفي غير المِيرَاثِ الدَّعْوَى وألحق لأَشْخَاصٍ، فليس لأحد أن يَدَّعِيَ، ويُقِيمَ البَيِّنَةَ عن غيره، من غير إذْنٍ، ولا ولاية.


(١) مقتضى كلام الماوردي الجزم بالأول ويشهد له الترجيح في المسألة التي بعدها.
(٢) ومقتضاه أن الصبي والغائب يلحقان به ولكن ابن الصباغ نقل النص في الصبي والمجنون وكذا حكاه ابن المنذر في الأشراف عن الشافعي.
(٣) في ز: ويبغي.
(٤) سقط في: أ.
(٥) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>