للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنَيفَةَ: إن كان المَشْهُودُ به، مما لا يُنْقَلُ لم ينتزع نصيب الغائب، ممن في يَدِهِ، [ثم] (١) الذي يُشْعِرُ به إِيرَادُ النَّاقِلِينَ، أن هذا الانْتِزَاعَ وَاجِبٌ عليه، وهو الظَّاهِرُ. لكن ذكرنا في باب الوَدِيعَةِ: أن الغَاصِبَ، لو حمل المَغْصُوبَ إلى القاضي، والمَالِكُ غَائِبٌ، ففي وجوب قَبُولِهِ وَجْهَانِ: فيجوز أن يعود ذلك الخِلاَفُ هاهنا، وإن قامت البَيِّنَةُ، وإن كان المُدَّعَى دَيْناً، ففي انْتِزَاع نَصِيب الغائب وَجْهَانِ جَارَيانِ، فيمن أقر لغائب بِدَيْنٍ، وحمله إلى القاضي، هل على القاضي أَن يَسْتَوفِيَهُ؟

وهذه الصورة قد سَبَقَتْ في الوَدِيعَةِ، وبَيَّنَّا أن أَظْهَرَ الوَجْهَيْنِ فيهما عَدَمُ الوجوب، وكذلك ذكره القَاضِي ابْنُ كَجٍّ فيما نحن فيه، وحكاه عن النِّصِّ.

واعلم أنه قد سبق في كتاب الشَّرِكَةِ، أن أَحَدَ الوَارِثِينَ لا ينفرد بِقَبْضِ شَيْءٍ من دَيْنِ التركة، ولو قبض، شَارَكَهُ الآخَرُ فيه.

وهاهنا قالوا: يأخذ الحَاضِرُ حِصَّتَهُ، كأنهم جَعَلُوا غَيْبَةَ الشريك عذراً ومَكَّنُوا الحَاضِرَ من الانفراد حينئذ، ولو ادَّعى على رجل؛ أن أباه أوْصَى له ولفلان بكذا، وأقام عليه شَاهِدَيْنِ، وفلان غائب، أو صَبِي، لم يُؤْخَذْ نصيب فلان بِحَالٍ، وإذا حضر أو بلغ، فعليه إِعَادَةُ الدَّعْوَى، والبَيِّنَةِ، لما ذكرنا أن الدعوى في الإِرْثِ عن شخص وَاحِدٍ.

وأما لفظ الكتاب فقوله: "وفي وجوب إعادة الشهادة وجهان"؛ هما الاحتمالان المنقولان عن كلام الإِمام أقامهما وجهين.

وقوله: "وإن كان النِّزَاعُ فِي وَصِيَّتِهِ لِشَخْصَيْن"؛ أي: ادعى على وَرَثَةِ مَيِّتٍ؛ أن مورثهم أَوْصَى له، ولفلان الغَائِبِ.

وقوله: "وما يَسْتَوفِيهِ الحَاضِرُ من حِصَّتِهِ من الدَّيْنِ لا يُسَاهِمُهُ الغَائِبُ فيه إذا رجع؛ وإن كان عيناً، مساهمة ... " إلى آخره. ذكره بعد صورة إِقَامَةِ الشَّاهِدَيْنِ، لكنه أراد ما إذا أَقَامَ الحَاضِرُ شَاهِداً واحداً، وحَلَفَ معه، على ما هو مُبَيَّنٌ في ترتيب "الوسيط". والذي أجاب به هو مَا رَجَّحَهُ في "الوسيط" (٢) كما أسْلَفْنَاهُ.

وأَعْلم قوله: "لم يساهمه" وقوله: "ساهمة" بالواو، للخلاف الذي سَبَقَ. والظاهر عند الأَصْحَاب في العَيْنِ، أنه لا يُسَاهِمُهُ، بخلاف ما أَوْرَدَهُ. وأما في صورة إِقَامَةِ الشَّاهِدَيْن، فإن كَان المدعى عَيْناً، فقد ذكرنا: أنه يُنْزَعُ نَصِيبُ الغائب، وإذا رجع وهو طَالِبٌ، أَخذه .. ولا معنى لمُسَاهَمَتِهِ للحاضر في نَصِيبه، وإن كان دَيْناً، وقلنا: إنه يُؤْخَذُ نصيبه فكذلك. وإن قلنا: لا يُؤْخَذُ، فينبغي أن يَأْخُذَهُ من المُدَّعَى عليه، ولا يُسَاهِمُ الحاضر فيما أخذه لنفسه.


(١) سقط في: أ.
(٢) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>