أصحهما، وبه قال أَحْمَدٌ: أنها تقضى لمطلق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا"(١) ولأنها صلاة راتبة بوقت فتستدرك إذا فاتته كالفرائض.
والثاني، وبه قال مالِكٌ: أنها لا تقضى كصلاة الخسوف ونحوها، وهذا لأن الأصل أن لا تقضى وظيفة مؤقتة أصلاً لاقتضاء صيغة التأقيت اشتراط الوقت في الاعتداد بها، لكن خالفنا في الفرئض لأوامر مجردة وردت فيها لتأكدها.
وعن أبي حنيفة: إن فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت معها، وإن فاتت وحدها فلا تقضى، ونقل بعض أصحابنا عن مذهب: أنه لا يقضي منها إلا ركعتا الفجر، إذا فاتت مع الفرض، وحكي في "النهاية" قولاً ثالثاً: وهو أن ما أستقل منها، ولم يتبع غيره "كصلاة العيدين" وصلاة "الضحى" يقضي لمشابهتها الفرائض في الاستقلال، وما كان تابعاً لغيره كالرواتب لا يقضى، فهذه هي الأقوال التي ذكرها في الكتاب وإنما قيد "بالمؤقتة" ليخرج القسم الأول، فإنها لا تقضى بلا خلاف.
التفريع: إن قلنا: إنها لا تقضى فلا كلام، وإن قلنا: تقضى فهل تقضى أبداً؟ فيه قولان:
أصحهما: وهو اختيار المزني -رحمه الله عليه- نعم كالفرائض لما قضيت جاز قضاؤها أبداً.
وقوله في الكتاب:(كما تقضى الفرائض) يمكن حمله على التشبيه في كيفية القضاء، أي كما تقضى الفرائض أبداً، كذلك هذه، لكنه ما أراد ذلك، وإنما أراد قياس أصل القضاء على الفرائض، وذلك بَيِّنٌ في عبارة "الوسيط".
والقول الثاني: أنها لا تقضى أبداً، وعلى هذا إلى متى تقضى؟ أما صلاة العيد ففيها تفصيل وخلاف مذكور في الكتاب، في باب صلاة العيدين، وأما الرواتب ففيها قولان:
أحدها: أنه لا تقضى كالوتر بعد صلاة الصبح، ولا ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر.
قال إمام الحرمين: وعلى هذا النسق سائر التوابع؛ لأنه إذا استفتح فريضة أخرى، انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة، وحكي على هذا القول وجهاً آخر أن الاعتبار بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها، فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس، فإن زالت فلا.