للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولْيُعَلَّمْ قوله في الكتاب: "وعُقوبات الآدَمِيِّينَ" بالحاء, لأن عند أبي حَنِيفَة لا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ على الشهادة في القِصَاصِ في النَّفْس، كما في حقوق الله تَعَالَى. وقوله: "دون حُدُودِ الله تَعَالَى" بالميم, لأن عند مَالِكٍ تُقْبَلُ فيها الشَّهَادَةُ على الشهادة.

وقوله: "لأن فيها شُبْهَةً, لأنها بدل" يعني؛ أن [شهادة الفرع] (١) بدل عن شَهَادَةِ الأَصْلِ؛ وذلك يُورِثُ الشُّبْهَةَ؛ لانْضِمَامِ احتمال الخِيَانَةِ في الفُرُوعِ إلى احْتِمَالِهَا في الأُصُولِ. وقوله: "ويجري الخِلاَفُ في كتاب القاضي إلى القَاضِي، وفي التوكيل باسْتِيفَاءِ القِصَاصِ" أشار به أن الخِلاَفَ في الصورة مَبْنِيٌّ على معنى البَدَلِيَّةِ، وتَأْثيرِهِ في زِيادَةِ الشُّبْهَةِ.

وقوله: "فإذا منعنا" -يعني كتاب القاضي- "لم تُسْمَع دعوى القصاص على غائب"؛ لأنه لا يَتَمَكَّنُ من اسْتِيفَائِهِ، ولا يجوز أن يكتب به إلى موضع [الغائب] (٢) المُدَّعَى عليه والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ النَّظَرُ فِي أَرْبَعَة أُمُورٍ: (الأوَّلُ): أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إلاَّ إِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدتُّكَ عَلَى شَهَادَتِي أَو رَآه الفَرْعُ وَقَدْ شَهِدَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ القَضَاءِ: لِفُلاَنٍ عَلَى فُلانٍ حَقٌّ وَعِنْدِي بِهِ شَهَادَةٌ لَمْ يَجُزِ التَّحَمُّلُ، لِأَنَّهُ يَتَسَاهَلُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الحُكْمِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: عِنْدِي شَهَادَةٌ مَجْزُومَةٌ لِفُلاَنٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الوَعْدَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ لِفُلاَنٍ أَلْفٌ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الوَعْدِ وَجَازَتِ الشَّهَادَةُ إِذْ لاَ يَتَسَاهَلُ فِي الإقْرَارِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَدْرَجَ مَسَائِلَ البَاب بعدما بَيَّنَ أن الشَّهَادَةَ [على الشهادة] (٣) فيم تجري، وفيم لا تجري، في أربعة فُصُولٍ:

أحدها: في تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ؛ وإنما يجوز التَّحَمُّلُ، إذا عرف أن عند الأَصْلِ شَهَادَةً جَازِمَةً بحق ثَابِتٍ. ولمعرفته أسباب:

أحدها: أن يَسْتَرعِيَهُ الأصل، فيقول: إنِّي شَاهِدٌ بكذا، وأَشْهَدْتُكَ على شَهَادَتِي، [أو يقول: أشهدك، وأشهد على شهادتي بكذا،] (٤) أو يقول: إذا استشهدت (٥) على شهادتي، فقد أَذِنْتُ لك في أن تَشْهَدَ.


(١) في ز: الشهادة.
(٢) سقط في: ز.
(٣) سقط في: أ.
(٤) سقط في: أ.
(٥) في ز: استشهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>