للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث بالأصل جُنُونٌ؛ فوجهان مَنقُولاَنِ في "النهاية":

أحدهما: امْتِنَاعُ شَهَادَةِ الفرْعِ، كما في الفِسْقِ، وإنما قَبِلْنَا في المَوْتِ والمَرَضِ للحاجة.

وأصحهما: جواب الجُمْهُورِ: أنه لا أَثَرَ له كالمَوْتِ؛ لأنه لا يُوقِعُ رِيبَةً [فيما مضى] (١). والوجهان جَارِيانِ فيما لو عَمِيَ، وأولى بألاَّ يؤثر لأن العمى لا يبطل أهلية الشَّهَادَةِ بالكُلِّيَّة.

ولو أغمي عليه، قال الإِمام: لم يُؤَثِّرْ إن كان غائِباً، وان كان حَاضِراً، لم يَشْهَدِ الفَرْعُ، بل ينتظر زَوَالُهُ؛ فإنه (٢) قريب الزَّوَالِ.

وقَضِيَّتُهُ؛ أن يكون الجَوَازُ كذلك، في كل مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ، كتوقِّع زَوَالُ الإغْمَاءِ (٣)، ولا أَثَرَ لحدوث شَيْءٍ من هذه المَعَانِي بعد القضاء (٤) وكذا لو شهد الفَرْعُ في غَيْبَةِ الأَصْلِ، ثم حَضَرَ بعد القَضَاءِ لم يؤثر، وإن حضر قَبْلَهُ، امتنع القَضَاءُ، لحصول القُدْرَةِ على الأَصْلِ، وكذا لو كذب الأَصْلُ الفَرْعُ قبل القَضَاءِ، امتنع القَضَاءُ. والتَّكذِيبُ بعده لا يُؤَثِّرُ.

ولو قضى القاضي، ثم قامت البَيَّنَةُ على أن الأَصْلَ قد كَذَّبَ الفَرْعَ قبل القضاء؛ فالقَضَاءُ مَنْقُوضٌ: ذكره الإِمام (٥)، هذا هو القول في صفات الأَصْلِ.


(١) سقط في: أ.
(٢) في أ: لأنه.
(٣) قال النووي في زياداته: ليس كما قال الرافعي -رحمه الله-، بل الصواب أن المرض لا يلحق بالإغماء، وإن توقع زواله قريباً, لأن المريض أهل لشهادة بخلاف المغمى عليه. والله أعلم. وتعقب فقال في الخادم وهذا الكلام لعله صدر عن غير رؤية فإنه إذا انتظر إفاقة المغمى عليه مع عدم أهليته فانتظار المريض مع أهليته أولى، وقال ابن الرفعة في المطلب: الصواب مع الرافعي؛ لأن الإغماء لم يجعل مانعاً من الشهادة بدليل أنه لا يؤثر في حال الغيبة اتفاقاً فصار كالمرض فانتفى ما ذكره من الفرق نعم لو ذكر له حالة إغماء وكانت تطول، فالظاهر أنه يسلك به مسلك تزويج موليته كما ذكرنا في النكاح بل لولي.
(٤) قال في الخادم: هذا إذا لم يكن في قصاص وحد قذف فإن كان وجوزنا الشهادة على الشهادة فيهما وهو الأصح فإنه يصير بمنزلة الشاهد الأصلي يحصل ذلك والمذهب فيه أنه لا يستوفى كما في الرجوع عن الشهادة بعد القضاء.
(٥) قضيته أنه ذكر للتكذيب صورتين إحداهما: سماع القاضي تكذيب الأصل الفرع، والثانية: قيام بينة عنده على تكذيب الأصل بطلت شهادة الفرع بحضور الأصل لا بالتكذيب، ثم حاول تصويره بصورتين: إحداهما أن الأصل حضر وكذب الفرع فبطلت شهادته بالحضور وجاء التكذيب بعده، فإذا غاب الأصل المسافة المعتبرة لم يقبل الفرع قولاً واحداً لا لطريان الحضور, لأنه قد زال بل لطريان التكذيب. وهذا حسن لطيف. =

<<  <  ج: ص:  >  >>