للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهد عند القَاضِي، أو أنه أَسْنَدَ المَشْهُود به إلى سَبَبهِ. قال الإمَامُ: وذلك لأن الغَالِبَ على النَّاسِ الجَهْلُ بطريق التَّحَمُّلِ، فإن كان ممن يَعْلَمُ، وَثِقَ به القاضي، [جاز أن يَكْتَفِيَ بقوله: أَشْهَدُ على شهادة فُلاَنٍ بكذا، ويُسْتَحَبُّ للقاضي أن] (١) يسأل: بأي سَبَبٍ ثَبَتَ هذا المال (٢)؟ وهل أخبرك به الأَصْل؟ وهذا إذا لم يُبَيَّن السبب.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِي فِي الطَّوَارِئِ وَلاَ بَأْسَ بِمَوْتِ شَاهِدِ الأَصْلِ وَغَيْبَتِهِ وَمَرَضِهِ، وَأَمَّا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الفِسْقُ أَوِ العَدَاوَةُ أَوِ الرِّدَّةُ امْتنَعَ شَهَادَةُ الفَرْع، وَلوْ طَرَأَ الجُنُونُ فوَجْهَانِ، وَلَوْ طَرَأَ العَمَى فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلى بِأَنْ لاَ يُمْنَعَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لاَ يُمْنَعَانِ، أَمَّا إِذَا كَذَبَ الفَرعُ امْتَنَعَتِ الشَّهَادَةُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل الثَّانِي -في صفات شَاهِدِ الأَصْلِ، وما يَطْرَأُ عليه. لا يَصِحُّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ على شهادة الفَاسِقِ، والكَافِرِ، والعَبْدِ، والصَّبِيِّ، والعَدُوِّ؛ لأنهم غير مَقبُولِي الشَّهَادَةِ. وان تحمل والأصل بصفات الشهود، ثم عَرَضَ ما يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ، أو الوُصُول إليها، فإن كان العَارِضُ المَوْتَ، أو الغَيْبَةَ، أو المَرَضَ، فلا أَثَرَ له، بل شَهَادَةُ الفَرْعِ حينئذ يُحْتَاجُ إليها، كما سَيَأْتِي.

وإن عَرَضَ فِسْقٌ، أو عَدَاوَةٌ، أو رِدَّةٌ، لم تُقْبَلْ شهادة الفَرْع، وبالأصل هذه الأحوال. وَوَجَّهَهُ الإِمَامُ: بأن هذه الحَالاَتِ لا تهجم دفعةً وَاحِدَةً، بل الفِسْقُ يورث الرِّيبَةَ فيما تَقَدَّمَ، والرِّدَّةُ تُشْعِرُ بِخُبْثٍ في العَقِيدَةِ سَابِقٍ، والعَدَاوَة لضَغَائِنَ كانت مُسْتَكِنَّة، وليس لمدة [الرِّيبَةِ] (٣) من قَبلُ ضَبْطٌ فتنعطف (٤) إلى حالة التَّحَمُّلِ، فإن زَالتْ؛ فهل لِلْفَرْعِ أن يشهد بالتَّحَمُّلِ الأول؟ أم يحتاج إلى تحمُّلٍ جَدِيدٍ؟

[عن ابن سُرَيْجٍ فيما حكى أبو العَبَّاسِ الروياني: أنه يحتاج إلى تَحَمُّلٍ جديد] (٥) وهذا ما صَحَّحَهُ الإمَامُ بِنَاءً على انْعِطَافِ الرِّيبَةِ إلى حالة التحمُّلِ، ورَوَى وَجْهاً آخر: أنه لا حَاجَةَ إليه، وهذا قَضِيَّةُ إِيرَادِ "التهذيب"، ولو حدث الفِسْقُ، أو الرِّدَّةُ بعد الشَّهَادَةِ، وقبل القَضَاءِ، امتنع القَضَاءُ. كما لو شهد الأَصْلُ وفَسَقَ قبل القَضَاءِ، ولو


(١) سقط في: أ.
(٢) وهذا التفصيل ذكره الإِمام وزعم أنه من تصرفه وأن ظاهر كلام الجمهور اشتراط بيان جهة التحمل مطلقاً ولهذا عد الماوردي أداء الشهادة على الصفة التي يحتملها شرطاً وليس كذلك، فإن الشَّافعي -رضي الله عنه- قال في المختصر: وإن شهد الشهاد بالمال فأحب ألا يقبل هذا منه قال في الشامل: ليست هذه المسألة من باب الشهادة على الشهادة وإنما هي من باب شاهدي الأصل.
(٣) سقط في: أ.
(٤) في ز: منعطف.
(٥) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>