للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي، ولا وُجِدَ منه اسْتِرْعَاءٌ؛ لأن الإسْنَادَ إلى السَّبَبِ، يَقْطَعُ احتمال الوَعْدِ، والتَّسَاهُلِ. هذا ما يوجد لِعَامَّةِ الأصْحَابِ.

وحكى الإِمَامُ وَجهاً آخَرَ: أَنَّ الإِسْنَادَ إلى السَّبَب لا يكفي لِلتَّحَمُّل؛ ورآه أَظْهَرَ، وهذا الوَجْهُ قد رَوَاه الشَّيْخُ أبو حَاتِم القزويني أيضاً، [وروى] (١) وجهاً آخر: أن الشَّهَادَةَ عند القاضي لا تَكْفِي أيضاً، بل لاَ بُدَّ من الاسْتِرْعَاءِ. ويُحْكَى عن أبي حَنيفَةَ مِثْلُ ذلك.

فيجوز أن يُعَلَّمَ قوله في الكتاب: "أو رآه الفرع، وقد شهد بين يدي حاكم" بالحاء والواو. وقوله: "ولو قال: أَشْهَدُ أن له عليه كذا، لم يتحمل، فلعله أراد الوعد". يمكن حَمْلُهُ على ما ذكرنا أن المَشْهُودَ عليه ربما أراد الوَعْدَ، ويمكن حَمْلُهُ على أن القَائِلَ ربما أراد الوَعْدَ بالشَّهَادَةِ، لا أن عنده شهادة في الحال، فَيَنْضَمُّ هذا إلى معنى التَّسَاهُلِ الذي ذَكَرَهُ، فيما إذا قال: عندي شهادة بكذا؛ والحُكْمُ فيها وَاحِدٌ.

وأما قوله: "ولو قال: عَلَيَّ لفلان ألف، لم يحمل على الوَعْدِ، وجَازَتِ الشَّهَادَةُ. فاعلم أن الأَصْحَابَ -رحمهم الله- لما ذَكَرُوا في هذا المَوْضِع؛ أنه لا يجوز التَّحَمُّلُ، بأن يُسمع من الأصل: أني أَشْهَدُ بكذا، أو عندي شَهَادَةٌ بكذَا، تَكَلَّمُوا في أنه: هل يكفي لِلتَّحَمُّلِ أن يسمعه يقول: لفلان عليَّ كذا؟

وعن أبي إِسْحَاقَ: أن هناك أَيْضاً لا يجوز التَّحَمُّلُ بهذا القَدْرِ، بل لاَ بُدَّ مع ذلك من قَرِينَةٍ تُشْعِرُ بالوجوب، بأن يسنده إلى سَبَبٍ؛ فيقول: من ثَمَنِ مبيع، أو يسترعيه فيقول: فاشهد علي به. والصحيح، وهو المَذْكُورُ في الكتاب: أن مُجَرَّدَ الإقْرَارِ كَافٍ لِلتَّحَمُّلِ، وفَرَّقُوا بينه وبين تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ من وجهين:

أحدهما: أن الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فيها ما لا يُعْتَبَرُ في الإقْرَارِ، ألا تَرَى أنه لا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الفَاسِقِ والمُغَفَّلِ؟ والشهادة بالمَجْهُولِ والإِقْرَار يخالفهَ فجاز أن يُعْتبَرَ في تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ما لا يُعْتَبَرُ في تَحَمُّلِ الإِقْرَارِ.

والثاني: أن المقر مُخْبِرٌ عن نفسه، والشَّاهِد مُخْبِرٌ عن غيره، والمُخْبِرُ عن نفسه بما يَضُرُّ به لا يخبر إلا عن تَحْقِيقٍ، ولا يكاد يَتَسَاهَلُ، والمخبر عن غيره قد يَتَسَاهَلُ، فَيُحْتَاجُ فيه إلى الاحتياط.

فرع:

الفَرْعُ عند أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يُبَيِّنُ جِهَةَ التَّحَمُّلِ، فإن اسْتَرْعَاه الأصل، قال: أشهد أن فُلاَناً، شَهِدَ أن لفلان على فلان كذا، وأَشْهَدَنِي على شَهَادَتِهِ، وإن لم يَسْتَرعِهِ، بين أنه


(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>