للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَ مَرَّةً على شيء، لا يَشْهَدُ مرَّةً أخرى. وكما لو شهد أَصَالَةً، ثم شَهِدَ [الثَّاني] (١) مع فَرْعٍ على شَهَادَةِ الأَصْلِ، الثاني -وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، ومالك، وأحمد -رحمهم الله-: يجوز؛ لأنهما شَهِدَا على قَوْلِ اثنين، فصار كما لو شَهِدَ على إِقْرَارِ رَجُلَيْنِ.

والقولان فيما ذكره الشيخ أبو حَامِدٍ، وطَبَقَتُهُ مَبْنِيَّانِ على أن الفروع يقومون مَقَامَ الأُصُولِ؛ ويثبت الحَقُّ بِشَهَادَتِهِمْ ثُبُوتَهُ بِشَهَادَةِ الأصول، أو الفروع يثبتون شهادة الأصول، والحَقُّ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ.

وفيه قولان، نُوَجِّه أولهما -بأن الوَاحِدَ، لا يجوز أن يَشْهَدَ أَصَالَةً مع فَرْعٍ، على شهادة الأصل الثاني، ولَوْلاَ قِيَامُ الفروع مَقَامَ الأصُولِ في إثبات الحَقِّ، لجاز؛ لأن شهادتهما (٢) [حينئذ] (٣) تَتَوَجَّهَانِ نحو شَيْئَيْنِ مختلفين.

وثانيهما: وهو الأصح: بأنهم مُصَرِّحُونَ بالشَّهَادَةِ على شهادة الأصول، ولم يَشْهَدُوا فِغلاً، ولا سَمِعُوا قَوْلاً.

فإن قلنا بالأول، فمن قام بأحد شَطْرَي البَيِّنَةِ، لا يَقُومُ بالثاني كالأصُولِ.

وإن قلنا بالثاني، فلا بَأْسَ، كما لو شَهِدَ على إقرار شَخْصَيْنِ.

ويمكن أن يكون الخِلاَفُ الذي مَرَّ في أن التَّسَاهُلَ لَهُنّ مَدْخَلٌ في الشهادة على الشهادة مَبْنِيّاً على هذا الأَصْلِ؛ وقضيته (٤) إِثْبَات خِلاَفٍ في أنه هل يَجُوزُ أن يَشْهَدَ فَرْعٌ على شهادة هذا؟ وفَرْعٌ على شهادة هذا؟ لكن لم يَذْكُرُوا فيه خِلاَفاً.

ثم في "التهذيب" أن أَصَحَّ القولين: أنه لا يجوز أن يَشْهَدَ اثْنَانِ على شهادة الأصلين معاً، وكذا ذكره أبو الفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ. وربما سموه الجديد ومقابله القديم، ولكن أصحابنا العِرَاقِيُّونَ رَجَّحُوا الجَوَازَ، وإليه ذهب الإِمام، وصاحب الكِتَابِ، والرُّويانيُّ، وصاحب العدة -رحمهم الله-.

فإن قلنا بالمَنْعِ، فلو أقام شَاهِدَيْنِ على شهادة الأصلين معاً، فله أن يجيب على أيهما شاء وَيَحْلِفَ معه، ولو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على شهادة الأصلين فوجهان:

أحدهما: المَنْعُ أيضاً؛ لأنهم جميعاً إذا قاموا مقام شَاهِدٍ واحدٍ، لا يَقُومُونَ مَقَامَ الثَّانِي.

والثاني: يجوز, لأنه قد شَهِدَ اثنان منهم على شَهَادَةِ زَيْدٍ، واثنان على شَهَادَةِ عمرو، فلا يَضُرُّ تَعَرُّضُ شَاهِدَيْ زيد، لشهادة عمرو، وبالعَكْسِ.


(١) سقط في: أ.
(٢) في ز: شهادتيه.
(٣) سقط في: أ.
(٤) في ز: وقضية.

<<  <  ج: ص:  >  >>