للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل الرَّابعُ في أن شَهَادَةَ الفرع (١)، متى تُسْمَعُ؟ وإنما تُسْمَعُ شَهَادَةُ الفرع، إذا تَعَذَّرَ الوُصُولُ إلى شَهَادَةِ الأَصْلِ، أو تَعَسَّرَ، وإلا ازداد احْتِمَالُ الخَطَإ والخَلَلُ من غير ضَرُورَةِ حاجة حاقة. ويخالف الرواية, فإنها أَوْسَعُ بَاباً.

وحكى القاضي أبو سَعْدٍ الهَروِيُّ وَجْهاً عن نقل صاحب "التلخيص" (٢)، أنه تُقْبَلُ شَهَادَةُ الفُرُوعِ، وإن حَضر الأصول، والمَذْهَبُ المَشْهُورُ الأَوَّل.

فمن وجوه التَّعَذُّرِ مَوْتُ الأَصْلِ، وأُلْحِقَ به العَمَى، ومن وجوهه المَرَضُ، ولا يشترط ألا يمكنه الحضور، وإنما المُعْتَبَرُ، أن يَنَالَهُ في الحضور مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ، ويلحق خوف الغَرِيمِ وسائر ما يترك به الجمعة بالمرض، هكذا أَطْلَقَ الإِمَامُ، وصاحب الكتاب.

ولكن ذلك في الأَعْذَارِ الخاصة (٣) دون ما يَعُمُّ الأُصُول، والفروع، كالمَطَرِ، والوَحْلِ الشَّدِيدِ (٤).

ولا يكلّف القاضي أن يحضر عند شاهد الأصل، أو يبعث إليه نَائِبه، لما فيه من الابْتِذَالِ.

ومنها الغَيْبَةُ إلى مَسَافَةِ القَصْرِ، وإن كانت دون مَسَافَةِ القَصْرِ، فمنهم مَنْ أَطْلَقَ وجهين، وكذلك، يُحْكَى عن ابن القَطَّانِ.

والأَشْبَهُ، أنه إن كانت المَسَافَةُ بحيث لو خَرَجَ الأَصْلُ بُكْرَةً لأداء الشَّهَادَةِ، أمكنه الرجوع إلى أَهْلِهِ ليلاً فلا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الفرع. وتُسَمَّى هذه المَسَافةُ، مَسَافَةَ العَدْوَى. وإن كانت بحيث لا يمكنه الرُّجُوعُ، فهو مَوْضِعُ الوجهين، والتَّفْصِيلُ هو المَذْكُورُ في الكتاب.


(١) في أ: الفروع.
(٢) في أ: الأصحاب.
(٣) في أ: الحاصلة.
(٤) قال الزركشي فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الضابط الذي ذكره الإِمام في المرض أنه ما يجوز لأجله ترك الجمعة بعيد نقلاً وعقلاً أما النقل فإن الشيخ أبا علي قال: المرض المجوز هنا أن يكون صاحب فراش في المرض. حكاه عنه ابن أبي الدم وقال: إنه ظاهر، وفي البحر ما يمنع من حضور مجلس الحكم. وأما العقل فلأن العجز هنا مخالف للعجز في الجمعة فلا يحسن اعتبار أحد البابين بالآخر ألا ترى أن الزمن القادر على أجرة يصرفها إلى من يحمله إلى الجمعة يجب عليه صرف أجرة المثل في ذلك، وقد قالوا: الزمانة في الشهادة بمنزلة المرض وليست كالمرض في الجمعة فإن المرض عليه بذل أجرة تحمله إلى الجمعة. ذكره ابن أبي الدم وهو ظاهر.
الثاني: أن إلحاقه سائر أعذار الجمعة بالمرض لا يمكن القول به على إطلاقه، فإن أكل ما له ريح كريه ونحوه عذر في الجمعة ولا يقول أحد هاهنا إن أكل شهود الأصل ذلك يسوغ سماع الشهادة على شهادتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>