للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس كالشَّهَادَةِ على الطَّلاَقِ، والعِتْقِ؛ لأن هناك وُجِدَ التَّفْوِيتُ حَقِيقَةً، فإنهما لا يريدان، وإن صَدّقَ العَبْدُ والمرأة الشُّهُودَ في الرجوع، وهاهنا لم يوجد تَفوِيتٌ حَقِيقَةً؛ لأن المَشْهُودَ عليه لو صدقهم في الرُّجُوعِ، لَزمَهُ رَدُّ المَالِ، وَأكْثَرُ الأصحاب، وفيهم ابن سُرَيْجٍ، وأبو إِسْحَاقَ. قالوا: في المسألة قولان:

أحدهما: أنهم لا يُغَرَّمُونَ؛ لما ذكرناه.

والثاني: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، ومالك، وأحمد -رحمهم الله-: أنهم يُغَرَّمُونَ، لِحُصُولِ الحَيْلُولَةِ بشهادتهم. وما يضمن بالتَّفْوِيتِ [بغير الشهادة، ينبغي أن يُضْمَنَ بالتَّفْوِيتِ] (١) بالشهادة، كالنَّفْسِ. وهذا القول عند العراقيين، والإمام، وغيرهم، أرْجَحُ.

وذُكِر في "العدة": أن الفَتْوَى عليه وأن ظاهر المَذْهَب: أَنَّهُمْ لا يُغَرَّمُونَ، واخْتَلَفُوا في حَالِ القَوْلَيْنِ فذكر الشيخ أبو حَامِدٍ ومن اتَّبَعَهُ: أنهما (٢) مَنْصُوصَانِ، والتَّغْرِيمُ فيهما للقديم (٣) وقيل: المَنْصُوصُ، أنهم لا يُغَرَّمُونَ، والآخر مُخَرَّجٌ.

وقيل: هما مَبْنِيَّانِ على القولين فيما إذا قال: غصبت هذه الدَّارَ من فلان، [بل من فلان] (٤)، تُدْفَعُ الدَّارُ إلى الأول.

وهل يُغَرَّمُ الثَّاني؟ على قولين فينزل رجوع الشاهد مَنْزِلَةَ رُجُوعِ المقر.

وذكر القاضي ابْنُ كَجٍّ: أن النَّصَّ فيما إذا شَهِدُوا بِعَيْنٍ، ثم رجعوا، أنهم لا يُغَرَّمُونَ. وفيما إذا شَهِدُوا بِدَيْنٍ، ثم رجعوا، أنهم يُغَرَّمُونَ، فحصل القَوْلاَنِ من تَخْرِيجِ كُلِّ واحد منهما في صورة الآخر.

ويجوز أن يُعَلَّمَ لَفْظُ "القوْلَيْنِ" في الكتاب بالواو لطريقة مَنْ قَطَعَ بنفي الغُرْمِ.

فروع:

شهد الشُّهُودُ على أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ في الرَّقِيقِ؛ أنه أَعْتَقَ نَصِيبَه، وهو مُوسِرٌ، فقضى القاضي بِعِتْقِهِ، وبالسِّرَايَةِ، ثم رجعوا، فعلى الشُّهُودِ قِيمَةُ نَصِيبِ المشهود عليه.

وفي قِيمَةِ نَصِيب الشريك الخِلاَفُ، في غُرمِ المال، وشُهُود القَتْلِ الخَطَإِ، إذا رجعوا بعدما غرم العاقلَة، هل يُغَرَّمُونَ؟ فيه الخلاف.

ولو حكم القاضي بِشَهَادَةِ شهود الفرع، ثم. رجعوا، غُرِّمُوا.

ولو رجع شُهُودُ الأَصْلِ، وقالوا: كذبنا، فكذلك يُغَرَّمُونَ، خِلاَفاً لأبي حَنيفَةَ.


(١) سقط في: أ.
(٢) في ز: أنهم.
(٣) في ز: القديم.
(٤) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>