للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشهور الأول، وما الذي يفعل به؟ أَيَرْفَعُهُ إلى القاضي لِيَبِيعَهُ، أو يَسْتَقِلُّ؟

فيه وجهان (١) ويُقَالُ: قولان (٢).

أحدهما: أنه يرفع الأَمْرَ إليه، وإلا فكيف يلي التَّصَرُّف في مال غيره لنفسه.

والثاني: أن له أن يَبِيعَهُ بِنَفْسِهِ، وامْتِنَاعُ مَنْ عليه يُسَلِّطُهُ على البيع، كما يسلّط على الأَخْذِ. وإيرَادُ الكتاب يَقْتَضِي تَرجِيحَ الأَوَّل، إلا أن العِرَاقِيِّينَ، والقاضي الرُّويَانِيَّ، وأَبَا الحسن العَبَّادِيِّ ذكروا أن الأصَحَّ الثاني. وبه أجاب صاحب "التهذيب"، ولكن فيما إذا كان القاضي جَاهِلاً بالحال، ولا بَيِّنَةَ للأخذ (٣).

وأما إذا كان القَاضِي عَالِمَاً، فَظَاهِرُ المذهب أنه لا يَبِيعُهُ إلا بِإذْنِهِ.

وبنى الشَّيْخُ أبو محمَّدٍ في "السلسلة" الخِلاَفَ في المسألة على الخِلاَفِ في أن مُلْتَقِطَ اللَّقِيطِ إذا وَجَدَ معه مَالاً مَشْدُوداً على ثَوْبِهِ، وأراد إِنْفَاقَهُ عليه، هل يرفع الأَمْرَ إلى القاضي أم يَسْتَقِلُّ به؟ هكذا وضع الخلاف في الإِنْفَاق. ويُحْكَى مِثْلُ هذا عن القَفَّالِ، لكن المذكور في باب اللَّقِيطِ، أنه لا يَسْتَقِلُّ بالإِنْفَاقِ من غير التَّعَرُّض لخلافٍ فيه، وإنما الخِلاَفُ في أنه، هل يَسْتقِلُّ بالحِفْظِ؟

فإن أَلْزَمْنَاهُ الأَخْذَ، ورفع الأمر إلى القاضي، فهل للقاضي أن يَأْذَنَ له في بَيعِهِ، أو يفوضه (٤) إلى غيره؟ حكى الشيخ أبو حَاتِم القزويني فيه وجهين، والأَشْبَهُ الأَوَّلُ. وكيف طريقه عند الرفع؟ ذُكِرَ في الكتاب، أن القَاضِي يَبِيعُهُ عليه بعد إِقَامَةِ البَيِّنَةِ على اسْتِحْقَاقِ المال، وهذا يُبْطِلُ فَائِدَةَ تَجْوِيزِ البَيْعِ عند العَجْزِ عن البَيِّنَةِ.

وقيل: يُوَاطِئُ رَجُلاً يُقِرُّ له بالحَقِّ، ويمتنع من الأداء ويقر له الأَخْذ بالمال حتى يَبِيعَهُ القاضي، وهذا إِرْشَادٌ إلى الكَذِبِ من الطرفين. ويضعف التَّفْرِيع على وُجُوبِ الرَّفْع، يُقَوِّي وَجْهَ الاستقلال بالبيع ثم عند البَيْع إن كان الحَقُّ من جِنْسِ نَقْدِ البلد، فيباع المَأْخُوذُ به، وإن لم يكن، فإن ظَفِرَ بثَوْبٍ، وَالدَّيْنُ حِنْطَةٌ، فيباع الثوب بنقد البلد، ويشتري به الحِنْطَة.

وحكى الإمَامُ -قَدَّسَ الله رُوحَهُ- عن مُحَقِّقِي الأصحاب -رحمهم الله- أنه يجوز أن يَشْتَرِيَ الحِنْطَةَ بالثَّوْبِ، ولا يَتَوَسَّط النقد (٥) بينهما، وقد سَبَقَ نَظِيرُهُ وهل يكون


(١) في أ: قولان.
(٢) في أ: وجهان.
(٣) مرادهم بالبينة البينة على الحق، لكن هو وإن كانت له بينة على الحق، فليس له بينة على أن المال الذي ظفر به ملك للغائب المدعى عليه، فلا بد من تقييد المسألة بذلك.
(٤) في ز: تفويضه.
(٥) في ز: النقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>