القَبْضَ؛ قال القاضي أبو سَعْدٍ: يَدَّعِي ذلك، ويقيم البَيِّنةَ، ويقبضه بِدَيْنِهِ الآخر.
وفي فتاوى القَفَّالِ: أنه ليس له إِقَامَةُ أولئك الشهود؛ لأنهم لو شَهِدُوا، وقال المدعى عليه؛ إني قَضَيْتُ ما شهدوا به، واسْتَحْلَفَهُ، لم يكن له الحلف، وذلك يَدُلُّ على أن ما يَشْهَدُونَ به غير ما يَدَّعِيهِ (١). والله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: عَرَفْنا بالخَبَرِ، أن البَيِّنَةَ على المُدَّعِي، واليَمِين على من أَنْكَرَ.
واستُنْبِطَ سَبَبُهُ؛ فقيل: جانب المُنْكِرِ أقْوى، لمُوَافَقَتِهِ الظاهر، والبَيِّنَةُ أَقْوَى من اليمين لِبَرَاءَتِهَا عن تُهْمَةِ جَلْبِ النفع. فَجُعِلَتِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي لتجبر قوة الحجةِ ضعفَ الجَنَبةِ، وَمُنِعَ من المنكر بالحُجَّةِ الضعيفة، لقوة جَنَبته، وهذه القاعدة تُحْوِجُ إلى مَعْرِفَةِ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه.، ليُطَالَب هذا بِحُجَّتِهِ، وهذا بحجته، إذا تَخَاصَمَا، فجعل صاحب الكتاب المسألة الثانية: في حَدِّ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه وفيه قولان:
أحدهما: أن المدَّعِي من المُتَخَاصمين هو الذي لو سَكتَ خُلِّيَ، ولم يُطَالَبْ بشيء، والمُدَّعَى عليه من لا يُخلَّي ولا يُقْنعُ منه بالسُّكُوتِ.
والثاني: أن المُدَّعِي من يذكر أَمْراً خَفِيّاً يخالف الظَّاهِرَ، والمُدَّعَى عليه من يُوَافِقُ قَوْله الظاهر.
فإذا ادَّعَى زيد دَيْناً في ذِمَّةِ عمرو، أو عَيْناً في يَدِهِ، وأنكر، فزيد هو الَّذِي لو سكت ترك، وهو الذي يذكر خلاف الظاهر؛ لأن الظَّاهِرَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ عَمْرِو، وفَرَاغُ يَدِهِ عن حَقِّ الغَيْرِ. وعمرو هو الذي لا يترك وسكوته، ويوافق قوله الظاهر. فزيد مُدَّعٍ بموجب العِبارَتَيْن. وعمرو مُدَّعَى عليه، ولا يَخْتَلِفُ موجبهما في الأَغْلَب؛ وقد يختلف: كما إذا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ قبل المَسِيسِ، واختلفا، فقال الزوج: أَسْلَمْنَا معاً،
(١) قال النووي: الصحيح قول أبي سعد ولو حدثت من المأخوذ زيادة قبل تملكه حيث جوز أو قبل بيعه، فهي على ملك المأخوذ منه.