للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنِّكَاحُ بَاِقٍ بَيْنَنَا، وقالت المَرْأَةُ: بل على التَّعَاقُب، ولا نكاح بيننا. فإن قلنا: إن المُدَّعِي من لو سَكَتَ تُرِكَ. فالمَرْأَةُ المدَّعِيَةُ، والزوج مُدَّعَى عليه؛ لأنه لا يُتْرَك لو سكت؛ فإنها تَزْعُمُ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ. فيختلف، ويحكم باسْتِمْرَارِ النِّكَاحِ إذا حلف.

وإن قلنا: إن المدَّعَى، من يخالف قوله الظاهر، فالزَّوْجُ، هو المُدَّعِي؛ لأن التساوق (١) الذي يَزْعمُهُ، خِلاَفُ الظاهر، والمرأة: مُدَّعَى عليها لِمُوَافَقَتِهَا الظَّاهِرَ، فتحلف، وإذا حَلَفَتْ، حُكِمَ بارتفاع النكاح.

ولو قال الزوج: أَسْلَمَتْ قبلي، فلا نِكَاحَ، ولا مَهْرَ. وقالت: بل أَسْلَمْنَا معاً، وهما بحالهما، فقوله في الفراق يلزمه (٢).

وأما المَهْر: فالقول قَوْلُ الزَّوْجِ، إن قلنا: إن المُدَّعَى عليه، مَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ. لأن التَّعَاقُبَ الذي يدعيه، هو الظَّاهِرُ. وقول المرأة إن قلنا: إن المُدَّعَى [عليه] (٣)، من [لا] (٤) يترك لو سكت؛ لأنها لا تُتْرَك بالسكوت؛ إذ الزوج يزعم سقوط المَهْرِ. فإذا سكت ولا بَيِّنَةَ، جُعِلَتْ نَاكِلَةً. وحلف الزَّوْجُ، وحُكِمَ بالسُّقُوطِ، وقد يوهم إِيرَادُ الفوراني؛ أن القَوْلَيْنِ في حَدِّ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه مَنْصُوصَانِ. لكن المُعْتَمَدُ المَشْهُور، أنهما مُسْتَننْبَطَانِ من اختلاف قول الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- في مسألة إسْلاَمِ الزوجين. وقد ينبه الخلاف في الفَرْعِ على الخلاف في الأصْل المَبْنِيِّ عليه، والأظهر منهما على ما يُشْعِرُ به لَفظُ "المختصر" ويقتضيه كلام أكثر (٥) الأصْحَابِ.

وصرح به الروياني أن المُدَّعِي مَنْ يخالف الظَّاهِرَ، والمُدَّعَى عليه من يُوافِقُهُ.

قال الأئمة: والأُمَنَاءُ الذين يصدقون في الرَّدِّ بيمينهم مُدَّعُونَ؛ لأنهم يَزْعَمُونَ الرَّدَّ الذي هو خِلاَفُ الظاهر. لكن اكتفى منهم باليمين؛ لأنهم أَثْبَتُوا أيديهم لغرض المَالِكِ، وقد ائْتَمَنَهُمْ، فلا يَحْسُنُ تكليفهم بينة على الرد.

وتَكَلَّفَ أبو الحسن العَبَّادِيُّ فقال: إنهم يَدَّعُونَ ما يوافق الظَّاهِرَ؛ لأن المَالِكَ قد سَاعَدَهُمْ على الأَمَانَةِ، حيث ائْتَمَنَهُمْ، فهم يَسْتَبْقُونَ الأمانة، وهو يزعم ارْتِفَاعَهَا، فكان الظَّاهِرُ معهم.

قال: وأما على الحَدِّ الآخر، فهم المدعى عليهم؛ لأن المَالِكَ هو الذي لو سَكَتَ ترك، قال القاضي الروياني وغيره: وقد يكون الشَّخْصُ مُدَّعِيًا ومُدَّعى عليه في المُنَازَعَةِ الواحدة؛ كما في صورة التَّحَالُفِ. هذا منقول الأصحاب في هذا المَوْضِعِ، وَوَرَاءَهُ كَلِمَاتٌ:


(١) التساوق هو المقارنة والمعية.
(٢) في أ: لم يلزمه.
(٣) سقط في: أ.
(٤) سقط في: أ.
(٥) في ز: أكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>