للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمين (١). وهل يُقَدَّرُ لإمْهَالِهِ مُدَّةٌ؟ فيه وجهان:

أظهرهما: عند الإِمام وصاحب الكتاب: يُمْهَلُ ثَلاثةَ أيام، ولا يُزَادُ، إلا لم يُؤْمَنُ من الملاحة، والمرافعة مَرَّةً بعد أخرى، وقد يتعب الخَصْم والقاضي.

والثاني: أنَّه لا تَقْدِيرَ؛ لأن اليَمِينَ حَقُّهُ، فله تأخيره إلى أن يَشَاءَ كالبَيِّنَةِ يَتَمَكَّنُ من إِقَامَتهَا متى شاء (٢)، وهذا ما أَوْرَدَهُ في "التهذيب". ولمن قال بالأَوَّل: أن يُفَرِّقَ بأن البَيِّنَةَ قد لا تُسَاعِدُهُ، ولا تحضر، واليَمِينُ إليه. ولم يذكر الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- فيما إذا امْتَنَعَ المُدَّعَى عليه عن اليَمِينِ أنَّه يسأل عن سَبَبِ امْتِنَاعِهِ.

فعن ابْنِ القَاصِّ: أن قياس ذكره (٣) امْتِنَاع المدعي، أن يسأل المُدَّعَى عَلَيْهِ عن سبب الامْتِنَاعِ أيضاً.

وامتنع عَامَّةُ الأَصْحَاب من هذا الإِلْحَاقِ فارقين بأن امْتِنَاعَ المُدَّعَى عليه يثبت لِلْمُدَّعِي حَقَّ الحَلِفِ (٤)، والقضاء بيمينه؛ فلا يُؤَخَّرُ حَقُّهُ بالبحث [وامْتِنَاعُ المُدَّعِي لا يُثْبِتُ حَقّاً لغيره، ولم يَضُرَّ السؤال] (٥) عن سبب الامتناع. وكان يجوز أن يُقَالَ: إن امْتِنَاعَ المدعى عليه، إنما يُثْبِتُ الحَقَّ للمدعي، إذا امتنع بلا سَبَبٍ، فأما إذا تَعَلَّلَ بِعُذْرٍ، كما سَنَذْكُرُهُ على الأَثَرِ، فلا يَنْتَقِلُ حَقُّ اليَمِينِ من جَانِبِهِ إلى جانب المُدَّعِي، وإذا لم يكن الامْتِنَاعُ المُطْلَقُ نَاقِلاً للحق، لم يكن السُّؤَالُ تَأْخِيراً لِلْحَقِّ، ولو أن المُدَّعَى عليه حين اسْتُحْلِفَ قال: أَمْهِلُوني لأَنْظُرَ في الحِسَابِ، أو أَسْأَلَ الفُقَهَاءَ؛ فوجهان:

أشهرهما (٦): وهو المَذْكُوُر في الكتاب: أنَّه لا يُمْهَلُ، إلا أن يَرْضَى المدعى؛ لأنه مَجْبُورٌ (٧) مَحْمُولٌ على الإِقْرَارِ، واليَمِينُ بخلاف المُدَّعي؛ فإنه مُخْتَارٌ في طَلَبِ حَقِّهِ، وفي تأخيره.

والثاني: وبه قال صاحب "الإفصاح": أنَّه يُمْهَلُ؛ للْحَاجَةِ، ولا يُزَادُ على ثلاثة أيام، كيلا يَتَضَرَّرَ المُدَّعِي.

واختار القاضي الرُّوَيانِيُّ وَجْهَ الإِمْهَالِ، وقال فيما إذا اسْتُمْهِلَ لِيَسْأَلَ الفقهاء (٨):


(١) ما جزم به من عدم إبطال حقه في اليمين هو المشهور، وحكى الإِمام في كتاب الإقرار وجهاً أن القاضي يفصل الخصوم كما لو امتنع الخصم وأولى؛ لأنه مختار من الحضور متمكن بين الفكر بقلبه، وهو متجه جداً.
(٢) في ز: شاهد.
(٣) في ز: ذكر في.
(٤) قصة تفرد ابن القاص وليس كذلك فقد قاله ابن سريج كذا حكاه الدبيلي في أدب القضاء.
(٥) سقط في: أ.
(٦) في ز: أظهرهم.
(٧) في ز: مخبور.
(٨) في ز: إليه عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>