للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قُضَاةَ بَلَدِنَا اسْتَحْسَنُوا الإمْهَالَ يوماً، ولو اسْتُمهِلَ المُدَّعَى عليه في ابتداء الجَوَابِ، لينظر في الحساب. ذكر القَاضي أبو سَعْدٍ: أنَّه يُمْهِلُهُ إلى آخِرِ المَجْلِسِ إن شاء، وإذا عَلَّلَ المدعي امْتِنَاعَهُ بِعْذرٍ، كما بَيَّنَّا، ثم عاد بعد مُدَّةٍ ليَحْلِفَ، مُكِّنَ منه.

قال في "التهذيب": فإن لم يذكر القَاضِي نُكُولَ خَصْمِهِ، أَثْبَتَهُ بالبَيِّنَةِ، وكذا لو أَثْبَتَ عند قَاضٍ آخر نُكُولَ خَصْمِهِ، له أن يحلف، وكذا، لو نَكَلَ المدعى عليه في جواب وَكيلِ المدعي، ثم حَضَرَ الموكّل، له أن يحلف ولا يَحْتَاجُ إلى اسْتِئْنَافِ (١) الدَّعْوَى، ومن أَقَامَ شَاهِداً وَاحِداً ليَحْلِفَ معه، إنه لم يَحْلِفْ، فهو كما لو ردت (٢) اليَمِينُ إلى المُدَّعِي، فلم يَحْلِفْ، وإن عَلَّلَ الامْتِنَاعَ بعُذرٍ، عاد الوَجْهَانِ في أنَّه على خِيرَتِهِ أَبَداً، أو لا يُزَادُ إِمْهَالُهُ على ثلاث (٣).

وإن لم يَتَعَلَّل بشيء، أو صَرَّحَ بالنُّكُولِ، فعلى ما في الكتاب و"التهذيب"، يبطل حَقُّهُ من الحَلِفِ، وليس له العَوْدُ إليه، واستمر العِرَاقِيُّونَ على ما ذَكَرُوهُ هناك (٤).

قال المُحَامِلِيُّ في "التجريد": ولو امْتَنَعَ من الحَلِفِ مع شَاهِدِهِ، واستحلف الخَصْم، انتقلت اليَمِينُ من جَانِبِهِ إلى جَانب صَاحِبِهِ، فليس له أن يَعُودَ فَيَحْلِفَ، إلا إذا عاد في مَجْلِسٍ آخر، واسْتَأْنَفَ المُدَّعِي الدَّعْوَى، وأقام الشَّاهِد، له أن يَحْلِفَ معه.

فإن قُلْنَا بالأول، لم تَنْفَعْهُ إلا بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ. وأما لفظ الكتاب فقوله: "فنكوله كحلف المدعى عليه"؛ يجوز إعْلاَمُهُ بالواو؛ لأن من قال بِرَدِّ اليَمِينِ عند تَجْدِيدِ دَعْوَى ونكول، لا يكون نُكُولُهُ كحلف (٥) المدعى عليه.

وقوله: "وإن قال المُدَّعِي: أَمْهِلُوني، أمهلناه ثلاثاً"، مَحْمُولٌ على ما إذا قال: أَمْهِلُونِي لِأُطَالِعَ الحِسَابَ، أو أُرَاجِعَ القَضِيَة، فأما إذا اقْتَصَرَ على قوله: أَمْهِلُونِي، فيشبه أن يقال: هو كما إذا لم يذكر عذراً (٦) وقوله: "وأما المُدَّعَى عليه فلا يُمْهَلُ"، مُعَلَّمٌ بالواو.

وقوله: "فلو لم يرجع" أي المدعي فلفظ النكول في قوله: "أقام شاهداً وأراد أن يَحْلِفَ معه، ثم نَكَلَ"، ما ينبغي أن يُحْمَلَ على النُّكُولِ المُطْلَقِ، والامتناع بلا عُذْرٍ، بل يُحْمَلُ على الاسْتِمْهَالِ، والتَّمَسُّكِ بِعُذْرٍ.

فإن ذلك هو صُورَةُ الوجهين في الامْتِنَاعِ عن اليمين المَرْدُودَةِ، لا مُطْلَق الامتناع، وحينئذ فقوله: "لا تُقبَلُ منه بعد ذلك إلا ببينة (٧) كاملة" [أي] (٨) إلا بعد الثلاث لينظر


(١) في ز: إذا.
(٢) في ز: ارتدت.
(٣) في ز: تلاف.
(٤) في ز: هناك معي.
(٥) في ز: يحلف.
(٦) في ز: عذر أصلاً.
(٧) في ز: بينة.
(٨) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>