للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصُّلْحِ فِي الزَّوجَةِ المُتَنَازَعَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَفِي جَرَيَانِ قَوْلِ القُرْعَةِ خِلاَفٌ، فَإذَا تَكَاذَبَتِ البَيِّنَتَانِ صَرِيحاً لَمْ يَتَّجِهْ إِلاَّ التَّهَاتُر كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى القَتْلِ فِي وَقْتٍ وَشَهِدَ الآخَرُ عَلَى الحَيَاةِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ بَقِيَّةِ الأَقْوَالِ أَيْضَاً، وَلَوْ أَقَرَّ الثَّالِثُ لأَحَدِهِمَا فَهَل يَنْزِلُ إِقْرَارُهُ مَنْزِلَةَ اليَدِ حَتَّى تَرْجِيح البَيِّنَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أحد الأركان في الخُصُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ البَيِّنَةُ فيها يظْهرُ الحقّ، وينفصل الأَمْرُ، فالقول في شرط الشهود مَفْرُوغٌ منه في الشَّهَادَاتِ، والقَصْدُ هاهنا بيان الحكم عند تَعَارُضِ البَيِّنَتَينِ، فإذا تَعَارَضَتَا فإما أن تفقد أَسْبَابُ الرُّجْحَانِ، أو يُوجَدَ مرجِّح:

القسم الأول: إذا لم يُوجَدْ مُرَجِّحٌ، فأما أن يكون المُدَّعَى في يَدِ ثَالِثٍ، أو في أيديهما (١) جميعاً. ولا يَدْخُل في هذا القِسم ما إذا كان في يد أحدهما؛ لأن ذلك من أَسْبَابِ الرُّجْحَانِ على ما سيأتي.

وهذا القَسْمُ مَفْقُودٌ فيما إذا فُقِدَتِ الأَسْبَابُ.

الحالة الأولى: إذا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْناً في يدِ ثالث فلا يَخْفَى أنَّه يَحْلِفُ المُدَّعَى عليه يَمِيناً لكل وَاحِدٍ منهما، إن ادَّعَاهَا لنفسه، ولا بَيِّنَةَ لواحد منهما، وأنه إن اخْتَصَّ أحدهما بِإِقَامَةِ البَيِّنَةِ على ما يدعيه، يُقْضَى له، وإن أَقَامَ كل واحد بَيِّنَةً، فقولان:

أصحهما: ويُنْسَبُ إلى القَدِيم: وبه قال أحمد، وكذلك مَالِكٌ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ: أنهما يَتَسَاقَطَانِ؛ لأنهما مُتَنَاقِضَتَا الموجب، ولا تَرْجِيحَ، فَأشْبَهَ الدليلين إذا تَعَارَضَا، ولا تَرْجِيحَ، فعلى هذا كأنه لا بَيِّنَةَ، ويُصَارُ إلى التَّحْلِيفِ.

والثاني: أنهما يُسْتَعْمَلانِ، صِيَانَةٌ لهما عن الإِسْقَاطِ، والإبْطَالِ، بِقَدْرِ الإمْكَانِ، وتُنْتَزَعُ العَيْنُ من صاحب اليد؛ لأنه قَضِيَّةُ كل واحدة من البَيِّنَتَيْنِ [ثم] (٢) فيما يفعَل ثلاثة أقوال:

أحدهما: أن العَيْنَ المُدَّعَاةَ تُقَسَّمُ بينهما، وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، وكذلك مالك، ما رُوِيَ عن أبي مُوسَى: أن رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في بَعِيرٍ، فأقام كل واحد [منهما] (٣) البَيِّنَةَ أنَّه له، فجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما نِصْفَيْنِ (٤).


(١) قال الشيخ البلقيني: لا ينبغي أن نذكر في هذا الباب إذا كان في أيديهما لأن كل واحد في النصف الذي هو في يده داخل، فالترجيح قائم لكل واحد فيما هو في يده.
(٢) سقط في: ز.
(٣) سقط في: ز.
(٤) أخرجه أحمد [(٤/ ٤٠٢) (١٠/ ٢٥٤)] وأبو داود [٣٦١٣ - ٣٦١٤ - ٣٦١٥] والنسائي [٨/ ٢٤٨]، والحاكم [٤/ ٩٤ - ٩٥] والبيهقي، وذكر الاختلاف فيه على قتادة، وقال: وهو معلول، =

<<  <  ج: ص:  >  >>