للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: إذا قلنا بالقِسْمَةِ عند تَعَارُضِ البَيِّنَتَيْنِ في المَسْأَلَةِ فقسم الثمن، لم يكن لصاحب اليد الخِيَارُ؛ لأنه يَحْصُلُ له تَمَامُ البَيْع، ولا غَرَضَ له في عين (١) البائع. وعن أبي الحُسَيْنِ بن القَطَّانِ ثُبُوتُهُ؛ لأنه قد يَرْضَى بِمُعَامَلَةِ وَاحِدٍ، ولا يرضى بِمُعَامَلَةِ اثْنَيْنِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ: ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّ مَوْلاَهُ أَعْتَقَهُ وَادَّعى آخَرُ أَنَّ مَوْلاَهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَالبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ وَلاَ يُقَدَّمُ (ز) جَانِبُ العَبْدِ بِتَقْدِير أنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَعَلَى قَوْلِ القِسْمَةِ يُعْتَقُ نِصْفُ العَبْدِ وَلاَ يَسْرِي (و) لأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ قَهْراً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: عَبْدٌ في يَدِ رَجُل؛ ادَّعَى أن مَوْلاَهُ أَعْتَقَهُ، وادَّعَى آخر أنَّه باعه منه بكذا، وأَنْكَرَ صَاحِبُ اليد ما ادعياه (٢)، ولا بَيِّنَةَ، حَلَفَ لهما يَمِينَيْنِ، وإن أَقَرَّ بالعِتْقِ، ثَبَتَ العِتْقُ، ولم يكن للمشتري تَحْلِيفُهُ، إن قلنا: إن إِتْلاَفَ البائع كَالآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لأنه بالإِقْرَارِ بالعِتْقِ مُتْلِفٌ قبل القبض، فَيَنْفَسِخُ البَيْعُ.

نعم لو ادَّعَى تَسْلِيمَ الثَّمَنِ، حَلّفَهُ له.

وإن أقر بالبيع قُضِيَ به، ولم يكن لِلْعَبْدِ تَحْلِيفُهُ؛ لأنه وإن اعْتَرَفَ به، لم يُقْبَلْ، ولم يلزمه غُرْمٌ. قال القاضي الروياني: ولا يوجد مَوْضِعٌ يقر لأحد المُدَّعِيَيْنِ، ولا يَحْلِفُ للآخر قَوْلاً واحداً، إلا هذا (٣).

وإن أقام كُلُّ واحد منهما بَيِّنَةً، نُظِرَ؛ إن أُرِّخَتَا بِتَاريخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، قُضِيَ بِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخاً. وإن أُرِّخَتَا بتاريخ واحد، فهما مُتَعَارِضَتَانِ، وفيهما القَوْلاَنِ، فإن قُلْنَا: بالتَّهَاتُرِ، فالحُكْمُ كما لو لم تكن بَيِّنَةٌ. وإن قلنا: بالاسْتِعْمَالِ، ففي مَجِيءِ قَوْلِ الوَقْفِ الخِلاَفُ السابق. وإن قلنا: بالقُرْعَةِ، قُضِيَ لمن خَرَجَتْ له القُرْعَةُ.

وعن ابن سُرَيْجٍ أنَّه يُقَوَّى في هذه الصُّورَةِ قَولُ القُرْعَةِ؛ لاشْتِمَالِ الخُصُومَةِ على دَعْوَى العِتْقِ. وإن قلنا: بالقِسْمَةِ، عُتق نِصْفُ العَبْدِ، ونصفه لمدعي الشراء بنصف الثَّمَنِ. وله الخِيَارُ؛ لأنه لم يسلم له جميع ما اشتراه. فإن فَسَخَ، فالمَشْهُورُ أنه يعتق النِّصْفُ الآخر أيضاً؛ لأن البَيِّنَةَ قامت على أنه أَعْتَقَ الجَمِيعَ.

وإنما لم يُحْكَمْ بموجبها لِزَحْمَةِ مُدَّعِي الشراء، فإذا انْقَطَعَتْ زَحْمَتُهُ، حُكِمَ به.


(١) في ز: غير.
(٢) في ز: ادعاه.
(٣) ما جزم به من أنه ليس للعبد تحليفه موضعه فيما إذا أقر بالبيع ولا يشترط ألا يكون هناك خيار للبائع ينفذ فيه إنشاء عتقه، فإن كان للمقر خيار فللعبد أن يحلفه جزماً؛ لأنه لو أقر بالعتق لقبل، وقد ذكر الرافعي في باب الغصب ما يقتضيه ثم هو مفرع على أمرين: أحدهما: على المذهب في أن من باع عبداً ثم اعترف بعتقه لا يقبل حيث كان اعترافه في زمن اللزوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>