وفيه وَجْهٌ آخر، أنه لا يعتق؛ لأن قَضِيَّةَ القِسْمَةِ اقْتِصَارُ العِتْقِ على النصف.
وإيراد "التهذيب" يُشْعِرُ بِتَرْجِيح هذا الوجه وإن أَجَازَ مُدَّعِي الشراء، فإن كان المُدَّعَى عَلَيْهِ مُعْسِراً، لم يَسْرِ العِتْقُ إليه، وإن كان مُوسِراً فقولان؛ أو وجهان:
أحدهما: أن الجَوَابَ كذلك؛ لأنه عِتْقٌ مَحْكُومٌ به قَهْراً، كما إذا وَرِثَ بعض قريبه (١) يُعْتَقُ عليه، ولا يَسْرِي.
والثاني: لقيام البَيِّنَةِ على أنَّه أَعْتَقَ باختياره. والأوَّلُ هو المَذْكُورُ في الكتاب.
والثاني -أَصَحُّ عند القَاضِي الروياني. ونقل أبو الفَيَّاضِ وغيره وَجْهاً؛ أن قَوْلَ القِسْمَةِ لا يَجْرِي هاهنا تَحَرُّزاً من تَبْعِيضِ العِتْقِ.
وقال المزنى: القِيَاسُ عندي، تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ العِتْقِ؛ لأن العَبْدَ في يد نَفْسِهِ، وَبَيِّنَةُ صاحب اليد مُقَدَّمَةٌ، وخرج هذا قَوْلاً للشافعي -رضي الله عنه-.
لكن الأصحاب ضَعَّفوهُ، وامْتَنَعُوا من إِثبَاتِهِ قَوْلاً، وقالوا: إنما يكون في يَدِ نَفْسِهِ، أن لو ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ، والكَلاَمُ فيه؛ لأنه لو كَانَ في يَدِ نَفْسِهِ، لكانت الدَّعْوَى عليه على السَّيِّدِ، ولو كانت البَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَانِ، أو إحداهما مُطْلَقَةٌ، والأخرى مُؤَرَّخَةٌ. فالحكم كما لو أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ واحد.
وحكى الإِمام طَرِيقَةً قَاطِعَةً؛ بأنه لا يَجْرِي قَوْلُ التَّهَاتُرِ؛ لأن صِدْقَهُمَا ممكن، بأن باع صاحب اليَدِ من مدعي الشِّرَاءِ، ثم انْتَقَلَ منه إلى صَاحِبِ اليَدِ، ثم أعتق. وهذا حدُّ الطرق المذكورة من قَبْلُ في موضع أقوال التَّعَارُضِ.
وتصديق صَاحِبِ اليَدِ بعد قِيَامِ البَيِّنَتَيْنِ ولا يوجب الرُّجْحَانَ؛ خِلاَفاً لابن سُرَيْجٍ على ما تَقَدَّمَ.