للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُجْعَلُ كَأَنَّ المالَ فِي يَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا لَمْ يُخَصَّ بِالتَّصْدِيقِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الإِرْثِ، وَيُصَلَّى عَلَى هَذَا المَيِّتِ احْتِيَاطاً فَلَعَلَّهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَقْصُودُ هذا الطَّرَفِ، الكَلاَمُ في التَّدَاعِي وَتَعَارُض البَيِّنَتَيْن في المَوْتِ، والمِيَراثِ فمن مسائله:

مات رجل عن اثْنَيْنِ، مُسْلِمٍ ونَصْرَانِيٍّ مَثَلاً، واختلفا، فيما مَاتَ عليه الأب؛ فقال المُسْلِمُ: مات مُسْلِماً، فَلِي المِيرَاثُ. وقال النَّصْرَانِيُّ: مات نصرانياً، فلي المِيرَاثُ.

فإما أن يكون الأَبُ مَعْرُوفَ الدِّينِ، أو لا يكون، الحالة الأولى -إذا كان الأَبُ مَعْرُوفاً بالتَّنَصُّرِ، فقال المُسْلِمُ: أَسْلَمَ، ثم مات. وقال النَّصْرَانِيُّ: بل مات على ما كان عليه. فالقَوْلُ قول النَّصْرَانِيِّ، مع يَمِينِهِ؛ لأن الأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ.

وإن أَقَامَ كل واحد منهما بَيِّنَةً؛ نُظِرَ، إن أُطْلِقَتَا؛ فقالت بَيِّنَةُ المُسْلِم: إنه مات مُسْلِماً. وقالت بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ: إنه مات نَصْرَانِياً، فَبَيِّنَةُ المُسْلِم مُقَدَّمَةٌ؛ لأن معها زِيَادَةُ عِلْمٍ، وهي انْتِقَالُهُ من النصرانية إلى الإِسْلاَم، والبينة الأخرى اسْتَصْحَبَتْ، وشَهِدَتْ بالأصل، والنَّاقِلَةُ أَوْلَى من المُسْتَصْحِبَةِ. ولمثل ذلك قَدَّمْنَا بَيِّنةَ الجَرْحِ على التَّعْدِيلِ.

ولو مات رَجُلٌ عن ابْنٍ، وزوجة؛ فقال الابن: دَارُهُ هذه مِيرَاثٌ بيننا، وقالت الزَّوْجَةُ: بلى هي لي أَصْدَقَنِيهَا أبوك، أو بَاعَهَا مِنِّي. وأقام كل واحد بَيِّنَةً، فَبَيِّنَتُهَا أوْلَى.

ولو ادعى مَجْهُولٌ أنك عَبْدِي، وأقام عليه بَيِّنَةً، وأقام المُدَّعَى عليه بَيِّنَةً أنَّه كان مِلْكاً لفلان، فَأعْتَقَهُ. تُقَدَّمُ البَيِّنَةُ الثانية؛ لِعِلْمِهَا بالانْتِقَالِ من الرِّقِّ إلى الحُرِّيَّةِ. وعلى هذا قِيَاسُ المَسَائِلِ؛ فلو قُيِّدَتِ البَيِّنَتَانِ؛ بأن تَكَلَّمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ بكلمة فقال: الابن المُسْلِمُ، كانت تلك الكَلِمَةُ كَلِمَةَ الإِسلام، وأقام عليه بَيِّنَةً. وقال النَّصْرَانِيُّ: بل كانت كَلِمَةَ التَّنَصُّرِ، وأقام عليه بَيِّنَةً. فإن قلنا بِالسُّقُوطِ، يَسْقُطَانِ، ويصير كأن لا بَيِّنَةَ، ويُصَدَّقُ النصراني بِيَمِينِهِ.

وإن قلنا: بالاسْتِعْمَالِ، فعلى قَوْلِ الوَقْفِ تُوقَفُ التَّرِكَةُ، لا مَحَالَةَ؛ لأن المُدَّعَى مَالٌ. وعلى القُرْعَةِ يُقْرَعُ، فمن خرج له القُرْعَةُ، فله التَّرِكَةُ، وعلى قَوْلِ القِسْمَةِ، تُقَسَّمُ؛ فيجعل النِّصْفُ لهذا، والنصف لهذا. كما لو كان التَّنَازُعُ في غَيْرِ المِيرَاثِ.

وقال أبو إِسْحَاقَ: لا يَجِيءُ قول القِسْمَةِ هاهنا؛ لأن الحُكْمَ بالقِسْمَةِ حكم بالخَطَإ يَقِيناً، ولأن الشَّخْصَ لا يَمُوتُ كَافِراً مُسْلماً وفي غير صورة الميراث. ليست القِسْمَةُ حكماً بالخطأ يَقِيناً؛ لجواز أن يكون المُدَّعَى مُشْتَرَكاً بينهما، كما قَسَّمْنَا، ولأن الكَافِرَ والمُسْلِمَ لا يشتركان في المِيرَاثِ، والظَّاهِرُ الأول. وليست القِسْمَةُ حكماً منا بأنه مَاتَ كافراً مُسْلِماً، ولا تَشْرِيكاً منا في الإِرْثِ، ولكن بَيِّنَةُ كل واحد منهما

<<  <  ج: ص:  >  >>