للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأول، يحتسب الموهوب والموصى به من الثلث ومن قال بالثاني، يحتسب من رأس المال، فيعتق وإن كان على المريض دَيْنٌ مستغرق وكذا المُفْلِسُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذا قبل، ولا مُعْتَرَضٌ لِلْغُرَمَاءِ عليه، وإن قلنا يحتسب (١) مِنَ الثُّلُثِ فلا يعتق، ويباع في الدَّيْنِ، ويُكْتَفَى بِهَذَا القدر هاهنا فالمسألةُ مَبْسُوطَةٌ في الموضع المحال عليه، وإذا راجعته جوزت إعلام قوله هاهنا: "إن وَفَّى به ثلثه" بالواو؛ لوجه ذكرناه أن المريض ليس له شراء القريب بحال وحينئذ فلا يعتق.

الثالثة: من الأصول في "السير" أنه (٢) إذا [قهر] (٣) حربي حربياً ما ملكه، ويخالف ما إذا قهر مسلم حربياً وأسره، لا يجري الرق عليه حتى يرقه الإِمام؛ لأن للإمام اجتهاداً في أَسَارَى الكُفَّارِ، والمسلم مأمور بِرِعَايَتِهِ والحربي لا يؤاخذ بمثل ذلك.

قال الإِمَامُ، ولم يشرط الأَصْحَابُ قَصْدَ الإِرْقَاقِ، بل اكتفوا [بصورة] (٤) القهر وعندي: لاَ بُدَّ من القصد، فإن القهر قد يكون بالاستخدام، ولا يتميز قصد الإرقاق عن غيره إلاَّ بالقَصْدِ. وإذا عرفت ذلك فلو قهر عبد سيده الحربي عتق العبد وصار السيد رقيقاً له، ولو قَهَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، وَاسْتَرَقَّهَا مَلَكَهَا، وجَازَ له بَيْعُهَا، وكذا لو قَهَرَت الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا ولو قهر حَرْبِيٌّ أَبَاهُ [أو] (٥) ابْنَهُ فهل له بيعه؟ فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال ابْنُ الحَدَّادِ: لا-؛ لأنه يعتق عليه بالملك فلا يَسْتَقِرُّ له (٦) مِلْكٌ حَتَّى يَبِيعَهُ.

والثاني: نعم؛ لأن القهر دائم، فكما يَرْفَعُ ابتداؤه الحرية الأصلية يرفع دَوَّامَةَ الْعِتْقِ المُرَتَّبِ على المِلْكِ، وبهذا أجاب الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ حين سأله الحُلَيْمِيُّ في مسائل أَنْفَذَهَا إليه، يَسْتَفْتِيهِ فيها كذلك حكاه الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ -رحمهم الله- ويشبه أن يرجح الأول.

قال الإِمَامُ: وَيتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ أنه لا يَمْلِكُهُ بالقهر لاقتران [السبب] (٧) المقتضي للعتق بالقهر [المقتَضي] (٨) للملك، ويخالف الشراء فإنا جوزناه لوقوعه ذريعة إلى تخليصه من الرق (٩). وقوله في الكتاب: "صَحَّ بَيْعُهُ مِنَ المُسْلِمِ" ليس لتخصيص الحكم بالمسلم، بل يصح بيعه من المسلم، والذِّمِّيُّ والحَرْبِيُّ، وكان الغرض: أن المسلم يجوز له الشراء اعتماداً على قهر بعضهم بعضاً.


(١) في ز: يحسب.
(٢) في ز: فهو.
(٣) في ز: السِّراية.
(٤) في ز: صوره.
(٥) في ز: و.
(٦) في ز: عليه.
(٧) في ز: السيد.
(٨) سقط في: ز.
(٩) سكتوا عما إذا قهر معاهد معاهداً قال في الاستقصاء: لم أر لأصحابنا فيه شيئاً إلا أن أبا عبيدة ذكر في كتاب الأموال عن الأوزاعي والليث بن سعد أنه يجوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>