للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لن يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ ... " الحديث (١) فإنه إذا سعى في إعتاق أبيه، فقد كافأه على حتى الأبوة إذ صار سبباً لوجوده الحكمي، كما كان (٢) الأب سبباً لوجوده الحقيقي -ويوضحه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَوْلَى اَلْقَوْمِ مِنْهُم" (٣) ويؤيد التشبيه بين النسب والولاء مسائل:

إحداها: أن الزكاة تَحْرُمُ على موالي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ على وجه، أو قول كما تحرم عليهم، وقد ذكرناه في "قسم الصدقات" وبينا أنه الأصح. وليحمل لفظ "الصدقة" في الكتاب على الزكاة، فقد مر أن الأصح أن صدقة التطوع لا تحرم على بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المُطَّلِبِ.

والثانية: لو أوصى لبني فلان، فقد ذكر بعض الأصحاب أن مواليهم يدخلون في الوصية دخول المنتسبين إلى فلان، والأقرب إلى اللَّفْظِ خلافه.

والثالثة: لو أعتق عبداً على أن لا ولاء له [عليه] (٤) أو أعتقه على أن يكون سائبة لغى الشرط ويثبت الولاء؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ. إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (٥).

ولو شرط أن يكون وَلاَؤُهُ للمسلمين، أو لفلان؛ فهو لَغْوٌ أيضاً، ولا ينتقل الولاء عنه كما لا ينتقل النسب. وعن مَالِكٍ: أنه يكون ولاؤه للمسلمين، ويسلم أنه لا يكون لفلان إلاَّ إذا أعتق عنه على ما تقدم.

والرابعة: لا يثبت الولاء بالموالاة، والعهد كما لا يثبت النَّسَبُ بالموالاة لأن هذا ثمرة الإنعام بالإعتاق كما أن ذلك ثمرة البعضية.

وقال أَبُو حَنِيْفَةَ: يَصِحُّ عقد الموالاة بين اللذين لا يعرف نسبهما ولا ولاء عليهما ويتعلق به التوارث، وتحمل العقل ولهما فسخه ما لم يتحمل أحدهما عن الآخر فإن (٦) تحمل لزم، ولا فَسْخَ بَعْدَهُ. وأعلم قوله في الكتاب: "لَغَل" بالميم -وقوله: "ولا يثبت الولاء بالموالاة والعهد" لما بينا [هـ]. والله أعلم.


(١) إلا أن يجده مملوكاً فيتشريه فيعتق، تقدم.
(٢) في أ: أن.
(٣) رواه أصحاب السنن وابن حبان من حديث أبي رافع وفيه قصة، وفي الباب عن عتبة بن غزوان عند الطبراني، وعمرو بن عوف عنده، وعند إسحاق وابن أبي شيبة، وعن أبي هريرة عند البزار، وعن رفاعة بن رافع عند أحمد والحاكم وفي الأدب المفرد للبخاري.
(٤) سقط في: أ.
(٥) متفق عليه من حديث عائثسة في قصة بريرة.
(٦) في أ: وإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>