للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: كَاتَبْتُكَ على كذا لم يَكْفِ حتى يقول: فإذا أَدَّيْتَ فأنت حُرٌّ، أو ينويه. وفيهما طرِيقان للأصحاب؛ نقل ناقلون الجَوَابَ (١) في كُلِّ واحد من العَقْدَيْنِ إلى الآخر، وخَرَّجُوهُمَا على قولين:

أحدهما: أنهما صريحان لاشْتِهَارِهِمَا في معنييها اشْتِهَارَ البيع والهِبَةِ، وسائر العقود في معانيها.

والثاني: كنايتان؛ لِخُلُوِّهِمَا عن لَفْظِ العِتْقِ والحُرِّيَةِ، ولا يَكَادَانِ يستعملان عن إنشاء العَقْدِ، إلاَّ مع التَّعَرُّضِ للحرية.

وأظهرهما: الجَرَيَانُ على النصين، وفرقوا بينهما بوَجْهَيْنِ:

[أصحهما] (٢): أن التدبير ظَاهِرُ المعنى، مَشْهُورٌ عند كل أَحَدٍ، [والكناية] (٣) كمعناها لا يَعْرِفُهَا إلا الخَوَاصُّ.

والثاني: أن التدبير كان معروفاً في الجاهِلِيَّةِ في معناه، والشرع قد قَرَّرَهُ، ولا يستعمل في معنى آخر، والكتابة تقع على العَقْدِ المَعْلُوم، وعلى المُخَارَجَةِ، وهي أن يُوَظِّفَ على العبد الكَسُوبِ كُلَّ يوم خَرَاجاً، ولا يعتق بهَ، فلا بد من التَّمْيِيزِ باللفظ أو النِّيَّةِ، والكِنَايَةِ؛ مثل أن يقول: خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بعد موتي، وينوي العِتْقَ.

ولو قال: دَبَّرْتُ نِصْفَكَ، أو رُبُعَكَ. صح. وإذا مات عتق ذلك الجُزْءُ ولم يَسْرِ.

ولو قال: دَبَّرْتُ يَدَكَ، أو رجلك. فعن القاضي الحُسَيْنِ: أن فيه وَجْهَيْنِ، بِنَاءً على أن قول القائل: زني يَدُكَ هل يكون قَذْفاً؟ ففي وَجْهٍ: يصح، ويكون كله مُدَبَّراً. وفي وجه يَلْغُو. وعن "الأم" أنه لو قال: أنت حُرٌّ بعد موتي، أو لست بحُرٍّ. لا يَصِحُّ التدبير، كما لا يحصل العِتْقُ، إذا قال: أنت حُرٌّ، أو لست بحر، والطَّلاَقُ إذا قال: أَنْتِ طَالِقٌ، أو لست بطالق.

المسألة الثانية: يصح التَّدْبِيرُ مُطْلَقاً، وهو أن يُعَلِّقَ العِتْق بالموت بلا شَرْطٍ، ويفيد الشَّرْطَ في الموت؛ مثل أن يقول: إن قُتِلْتُ أو مِتُّ حَتْفَ أَنْفِي، أو متُّ من مَرَضِي هذا، أو في سَفَرِي هذا، أو في هذا الشَّهْرِ، أو في هذا البَلَدِ، فأنت حُرٌّ، فإن مات على الصِّفَةِ المذكورة، فَيُعْتَقُ، وإلاَّ فلا.


= الجاهل والعالم وكذلك التدبير، انتهى. غير أن ما قاله أبو إسحاق قوي جداً فإن لفظ التدبير لإرادة العتق بعد الموت لا يعرفه إلا الفقهاء بخلاف صريح الطلاق والعتق، انتهى.
(١) في أ: قائلون.
(٢) في ز: أضعفهما.
(٣) في ز: والكتابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>