للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي "جمع الجوامع" للرُّوَيانِيِّ: أنه قال في "البُوَيْطِيِّ": إذا قال: أنت حُرٌّ إن مِتُّ من مَرَضِي هذا، أو في سفري هذا، فمات من مَرَضِهِ، أو في سَفَرِهِ، كان حُرَّاً، لكنه وَصِيَّةٌ، وليس بِتَدْبِيرٍ. ونقل القاضي ابْنُ كَجٍّ مِثْلَهُ عن النَّصِّ، ويمكن أن يكون هذا مصَيَّراً إلى أن التدبير هو تَعْلِيقُ العِتْقِ بِمُطْلَقِ الموت، وأنه (١) لا يَنْقَسِمُ إلى مُطْلَقٍ ومُقَيَّدٍ، والظاهر الأَوَّلُ.

وتظهر فَائِدَةُ الخلاف في الرُّجُوعِ على ما سيأتي إن شاء اللهُ تعالى.

ولو قال: إذا مِتُّ ومضى شَهْرٌ، أو يوم، فأنت حر، أو قال: أنت حُرٌّ بعد موتي بِيَوْمٍ، فيعتق العَبْدُ بعد يوم عن مَوْتِهِ، ولا يحتاج إلى إِنْشَاءِ إعتاق (٢) بعد المَوْتِ.

وقال أبو حَنِيْفَةَ: لاَ بُدَّ من مُبَاشَرَةِ الإِعْتَاقِ بعد موته بيوم، وكأنه أوْصَى بِإِعْتَاقِهِ. وسياق الكتاب [يُشْعِرُ] (٣) بِعَدِّ هذه الصُّورَةِ من التدبير المُقَيَّدِ، فإنَّه قال: "والتدبير المُقَيَّدُ كالمُطْلَقِ، وهو أن يقول: إن قُتِلْتُ أو مِتُّ من مَرَضِي هذا، فأنت حر، أو أنت حُرٌّ بعد موتي بِيَوْمٍ". وَعَدَّ الصَّيْدَلاَنِيُّ قوله: إذا مِتُّ، ودخلت الدار، فأنت حُرٌّ. وقوله: إذا مِتُّ ومضى شَهْرٌ، فأنت حُرٌّ -من التدبير المُطْلَقِ، من حيث إِنه لم يَعْتَبِرْ من نفس الموت شَرْطاً.

والذي أَوْرَدَهُ أكثرهم، منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ والقَاضِيَانِ: ابْنُ كَجٍّ، والرُّوَيَانِيُّ، وابن الصباغ -رحمهم الله- أن ذلك ليس من التَّدْبِيرِ المطلق، ولا المُقَيَّدِ، وقالوا: مَهْمَا عَلَّقَ العِتْقَ بصفة بعد الموت، كقوله: إذا مِتُّ، وشِئْتَ الحُرِّيَّةَ، أو شاء فلان، أو إن مِتُّ، ثم دَخَلْتَ الدار، فأنت حر، أو أنت حُرٌّ بعد موي، أو إذا خَدَمْتَ ابني سَنَةً، فذلك ليس بِتَدْبِيرٍ، وإنما هو كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ.

ويجوز تَعْلِيقُ التدبير، كما يجوز تَعْلِيقُ العتق؛ وذلك مِثْل أن يقول: إذا، أو متى دخلت الدار، فأنت حر، [أو أنت] (٤) بعد موتي، أو: فأنت مُدَبَّرٌ. فإذا دخل الدار صار مُدَبَّراً، ولا يشترط الدُّخُولُ في الحال، ولكن يشترط حُصُولُهُ في حَيَاةِ [السيد] (٥)، كما في سائر الصِّفَاتِ المُعَلَّقِ عليها، فلو مات السَّيِّدُ قبل (٦) الدخول، فلا تدبير، وَيَلْغُو التعليق، إلاَّ أن يُصَرِّحَ، فيقول: إذا دَخَلْتَ الدار بعد موتي، أو إذا مِتُّ، ثم دَخَلْتَ الدار، فأنت حُرٌّ، فإنما يُعْتَقُ بالدخول بعد الموت.

وأَبْدَى الإِمَامُ في تعليق العِتْقِ بالدخول بعد المَوْتِ احْتِمَالاً مِنْ طريق المعنى، وذكر أنه رَمَزَ إليه القاضي، ولا يشترط المُبَادَرَةُ إليه بعد الموت، بل متى دخَلَ عتق،


(١) في أ: فإنه.
(٢) في أ: عتق.
(٣) سقط في: ز.
(٤) سقط في: ز.
(٥) في أ: الموصى.
(٦) في أ: بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>