للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقاضي ابْنُ كَجٍّ، وقالوا: إنه المنصوص في [أكثر] (١) كتبه الجَدِيدَةِ، وبه قال أبو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ. فإن قلنا: إنه وَصِيَّةٌ، ثم عاد إلى مِلْكِهِ.

وإن قلنا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ، فهو على الخِلاَفِ في عَوْدِ الحِنْثِ، وقد مَرَّ أن الأَقْوَى من هذا الخلاف أن لا يَعُودُ الحِنْثُ، ويخرج مما ذكرنا أن الأظهر أنه لا يَعُودُ التدبير.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِي: أَنَّ لَهُ صَرِيحَ الرُّجُوعِ إنْ قُلْنَا: إِنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَإِنْ قلْنَا: تَعْلِيقٌ فَلاَ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقُوهُ عَنِّي فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ فَدَخَلْتَ الدَّارَ أَوْ شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهْوَ تَعْلِيقُ وَلاَ رُجُوعَ عَنْهُ بِالصَّرِيحِ، ولاَ يَنْقَطِعُ التَّدْبِيرُ بِالاسْتِيلاَدِ لِأَنَّهُ يُوَافِقُهُ بِخِلَافِ الوَصِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ رُجُوعٌ عَنِ التَّدْبِيرِ المُطْلَقِ.

[قَالَ الرَّافِعِيُّ]: هل يجوز الرُّجُوعُ عن التَّدْبِيرِ بصريح الرُّجُوع، مثل أن يقول: رجعت عنه أو فَسَخْتُهُ، أو نَقَضْتُهُ، أو أبْطَلْتُهُ، أو رَفَعْتُهُ، بني ذلك على الخلاف الذي ذَكَرْنَاهُ آنفاً. إن قلنا: إن التدبير وَصِيَّةٌ، فيجوز.

وإن قلنا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بصفة، فلا، كما في سائر التَّعْلِيقَاتِ، والخلاف مُطَّردٌ في التدبير المُطْلَقِ والمُقَيَّدِ، على أظهر الطريقين، ومنهم من خَصَّصَ الخِلاَفَ بالتدبير المُطْلَقِ، وقطع في المُقَيِّدِ بمنع الرجوع؛ لأنه لا يَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الموت، فهو بسائر التَّعْلِيقَاتِ أشبه، ولا خِلاَفَ في أنه لو قال: أعتقوا فُلاَناً عَنِّي إذا مِتُّ، يجوز الرُّجُوعُ عنه بصريح لَفْظِ الرجوع، كما في سائر الوَصَايَا، ولا في أنه إذا ضمَّ إلى المَوْتِ صِفَةً أُخْرَى، فقال: إذا مِتُّ، فدخلت الدار، أو لَبِسْتَ [الحرير] (٢) فأنت حُرٌّ، ولا يجوز الرجوع باللَّفْظِ، وإنما القولان في التَّدْبِيرِ.

واحتج المُزَنِيُّ بجواز الرُّجُوعِ عنه؛ بأنه قد نص على أنه لو قال: إن أدَّيْتَ بعد مَوْتِي إلى وَرَثَتِي كذا فأنت حر. كان ذلك رُجُوعاً، حتى لا يُعْتَقَ إلاَّ إذا أَدَّى ما ذَكَرَهُ، وأنه لو وهب المُدَبِّرَ ولم يَقْبِضْهُ حصل الرجوع.

وأجاب الأَصْحَابُ -رحمهم الله- عن الأَوَّلِ بأن ما ذَكَرَهُ تَفْرِيعٌ منه على قول جواز الرجوع لَفْظاً، فإن لم نُجَوِّزْهُ لم يكن ذلك رُجُوعاً، وإذا مات عُتِقَ المُدَبَّرُ.

وعن الثاني: بِمِثْل هذا الجواب، وذكر بعضهم أنه إذا وَهَبَهُ حصل الرجوع على القَوْلَيْنِ، وإن لم يقبضه؛ لأن إفضاء الهِبَةِ إلى زَوَالِ المِلْكِ.

قال الإِمام: والوَجْهُ القَطْعُ بأن مُجَرَّدَ الهِبَةِ لا يبطل التدبير على قولثا: إنه تَعْلِيقٌ.


(١) سقط في: ز.
(٢) في أ: الثوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>