للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه وجهان مبنيان (١) على الخِلاَفِ المذكور، إن جعلناه وَصِيَّةً، ارتفع، كما لو أَوْصَى لإنسان بِعَبْدٍ، ثم كاتبه.

وإن قلنا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بصفة لا (٢)؛ لأن مَقْصُودَ الكِتَابَةِ العِتْقُ أيضاً، فيكون مدبراً أو مُكَاتباً، كما لو دَبَّرَ عَبْدَهُ المُكَاتَبَ، فإذا أَدَّى النُّجُومَ عَتِقَ بالكِتَابَةِ، وإن مَاتَ السَّيِّدُ قبل الأَدَاءِ، عتق بالتدبير، فإن لم يخرج من الثُّلُثِ عتِقَ قَدْرَ الثلث، وبقيت الكِتَابَةُ في الباقي، فإذا أَدَّى قِسْطَهُ عتقَ، وهذا ما يحكى عن نَصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه- وهو الذي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أبُو حامد وجماعة.

وزاد القاضي أَبُو حَامِدٍ، فقال: يسال عن كتابته، فإن أَرَادَ بها الرُّجُوعَ عن التدبير، ففي ارْتِفَاعِهِ القولان.

وإن قال: لم أَقْصِدْ بها الرُّجُوعَ، فهو مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ على القولين جميعاً. ورأى القاضي ابْنُ كَجٍّ القَطْعَ بأن الكِتَابَةَ تَرْفَعُ التَّدْبيرَ؛ لأن العَبْدَ يصير بِعَقْدِ الكتابة مَالِكاً لنفسه، فكأن السَّيِّدَ أَزَالَ مِلْكَهُ عنه فيكون الحكم كما لو بَاعَ.

وخَرَّجَ الإمَامُ على الخلاف في الكِتَابَةِ ما لو [علق] (٣) عتق المدبر بِصِفَةٍ؛ لأنه لو أَوْصَى به، ثم عَلَّقَ عِتْقَهُ بصفة كان التعليق رُجُوعاً عن الوَصِيَّةِ.

والذي أَوْرَدَهُ صاحب "التهذيب" أنه يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بالصفة الأُخْرَى، ويبقى التَّدْبِيرُ بحاله، كما لو دَبَّرَ المُعَلَّقَ عِتْقُهُ بصفة، يجوز، ثم إن وجدت الصِّفَةُ قبل الموت عتقَ.

وإن مات قَبْلَهَا عُتِقَ عن التدبير.

وفي "الوسيط" ما يَقْتَضِي تفصيلاً.

وهو أنه قال: "إن دُخَلْتَ الدَّار فأنت حر" فقد زَادَ شَيْئًا آخر لِلْحُرِّيَّةِ، وليس ذلك بِرُجُوع. ولو قال: "إن دُخَلْتَ الدَّار بعد مَوْتِي" فهو رجوع عن التَّدْبِيرِ المطلق؛ لأنه لا يُنَافِي تَعْلِيقَ الحرية بمجرد الموت.

وقد ذكر هذا الطَّرَفَ الثاني في الكتاب.

واعلم أنه: إن أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "هذا رجوع، وذَاكَ ليس برجوع"، أن هذا يقتضي نَقْضَ التَّدْبير المُطْلَقِ، وذاك لا يقتضيه ليعرف أن ما يقتضي نقضه يكون على الخِلاَفِ -في أن التَّدْبِيرَ هل يجوز نَقْضُهُ من غَيْرِ إِزَالَةِ المِلْكِ- فهذا صَحِيحٌ، فلا يحتاج إلى إِعْلاَمِهِ بالواو.

وإن أراد أن هذا يَرْفَعُ التَّدْبِيرَ وذاك لا يَرْفَعُهُ فَلْيُعَلَمْ قوله في الكتاب: "رجوع عن


(١) في أ: يُبْنَيَانِ.
(٢) في ز: فلا.
(٣) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>