للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجْعَةَ تَحْدِيدُ حِلٍّ، ورَفْعُ تحريم واقع. فلا يتضمن نَفْيُ موصيها إنشاءها.

إذا عَرَفْتَ ذلك، فإذا ادَّعى العَبْدُ على السيد أنه دَبَّرَهُ، أو عَلَّقَ عِتْقَهُ بصفة، ففي سَمَاعِ هذه الدَّعْوَى خِلاَفٌ مذكور في "الدَّعَاوَى".

وقد بُنِيَ الخِلاًفُ في دَعْوَى التدبير على أنه تَعْلِيقُ عِتْقٍ بصفة، أو وصية (١) إن قلنا: إنه تَعْلِيقُ عِتْقٍ فتسمع؛ لأن السَّيِّدَ لا يملك الرُّجُوعَ عنه بِلَفْظِ الرجوع.

وإن قلنا: إنه وَصِيَّةٌ، فوجهان؟ بناء على أن إِنْكَارَهُ هل يكون رجوعاً؟

إن قلنا: لا فَتُسْمَعُ. وإن قلنا: نعم فلا يُسْمَعُ. هكذا رَتَّبَ جَمَاعَةٌ.

وقَضِيَّةُ هذا البنَاءِ والترتيب مَجِيءُ طريقة قَاطِعَةٍ بأن دَعْوَى تعليق العتق مَسْمُوعَةٌ، مع إثْبَاتِ الخِلاَفِ في دعوى التدبير. وذكر الإِمام أَنَّا إن لم نَجْعَلِ الإنْكَارَ رُجُوعاً، ففي سماعَ الدعوى الوجهان المَذْكُورَانِ في سَمَاعِ الدعوى بالدَّيْنِ المُؤَجَّل.

ووجه المَنْعِ: أن عِمَادَ الدَّعْوَى أن يَسْتَحِقَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ مُطَالَبَةً وإلْزَامَاً، والمُدَبَّرُ لا يستحق شَيْئًا على السَّيِّدِ في الحال.

وهذا يَطَّرِدُ في دَعْوَى تعليق العِتْق.

وأما إن جعلنا الإنْكَارَ رجوعاً، فلا يبعد أن تُسْمَعَ الدعوى؛ إذ لا يَتَعَيَّن مُقَابَلَةُ الدعوى بالإنكار، بل قد يقرُّ المدعى عليه وقد يَسْكُتُ، فلا يَتَوَجَّهُ رَدُّ الدعوى في (٢) الابتداء، وأن في سَمَاعِ [الدعاوى] (٣)، وَرَدُّ شهادة الحِسْبَةِ أَوْلَى؛ لأن موضع الحِسْبَةِ ما إذا ثَبَتَ لله -تعالى- حَقٌّ، وكان ذلك الحَقُّ مَجْحُوداً، فينتهض الشاهد لإثباته مُحْتَسِباً.

وإذا تَوَجَّهَتِ الدعوى، وأنكر السَّيِّدُ، فله أن يُسْقِطَ اليَمِينَ عن نفسه؛ بأن يقول: إن كنت دَبَّرْتُهُ، فقد رجعت عنه، إذا جَوَّزْنَا الرجوع باللفظ، وكذا لو قَامَتِ البَيِّنةُ عليه، وحكم الحَاكِمُ، فله الدَّفْعُ بهذا الطريق على هذا القول.

ولو ادَّعى على الوَرَثَةِ أن مورثهم دَبَّرَهُ، وأنه قد عُتِقَ بموته، فَيَحْلِفُونَ على نَفْي العلم (٤). ولا نُثْبِتُ التَّدْبِيرَ إلا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لأنه ليس بحال، وهو مما يَطَّلِعُ عليه الرجال، ونثبت الرُّجُوعَ عنه بشهادة رَجُلٍ وامرأتين، وبشاهد ويمين؛ لأن المَقْصُودَ منه المَالُ.


(١) في ز: أو تدبير.
(٢) في أ: من.
(٣) في أ: الدعوى.
(٤) أطلق حلفهم، وقال الماوردي: إذا عدم البينة أحلف الورثة وكان واجباً عليه أن يحلفهم لئلا يسترق بعد عتق، فإن حلفوا كان حلفهم على نفي العلم دون البت، ويخيروا بين الحلف على نفي التدبير وبين الحلف على نفي العتق، بخلاف البينة فإنها لا تسمع إلا على التدبير دون العتق.

<<  <  ج: ص:  >  >>