للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روي أن ابن عمر -رضي الله عنهما: دَبَّرَ جَارَيتَينِ له، وكان يطؤهما (١).

وأيضاً فإن المُسْتَوْلَدَةَ يجوز وَطْؤُهَا، مع أن حَقَّ العِتْقِ [فيها] (٢) آكَدُ، فالمُدَبَّرَةُ أَوْلَى، وتُخَالِفُ المُكَاتَبَةُ؛ لأنها صارت أَحَقَّ بنفسها؛ ألا ترى أنها إذا وُطِئَتْ يكون المَهْرُ لها، وإذا جنى عليها يكون أَرْشُ الجِنَايَةِ لها، بخلاف المُدَبَّرَةِ المُعَلَّقِ عِتْقُهَا بالصفة والمستولدة، فإن المَهْرَ وأَرْشَ الجناية عليهن يكون للسَّيِّدِ.

ولو أَوْلَدَهَا السيد صارت مُسْتَوْلَدَةً. والأظهر أن التدبير يَبْطُلُ.

وفيه وجه آخر وقد ذكرناهما من قَبْلُ، وبذلك الوَجْهِ الآخر أجاب إبراهيم المَرُّورُوذِيُّ، وتظهر فَائِدَةُ الاختلاف فيها، إذا قال: كل مدبر لي (٣) حر؛ هل تعتق هي؟

وأما إذا أتت المُدَبَّرَةُ بِوَلَدٍ من نِكَاحٍ أو زنى؛ فهل يَسْرِي التدبير إليه؟ فيه قولان (٤):

أرجحهما عند الإمَامِ وصاحب "التهذيب": لا، وهو اختيار المُزَنِيِّ؛ لأنه عَقْدٌ يقبل الرفع، فلا يَسْرِي إلى الوَلَدِ كالرَّهْنِ.

وأظهرهما: كما ذكر الشيخان -أبو حَامِدٍ والقَفَّالُ- وغيرهما وبه قال أبو حَنِيْفَةَ ومالك وأَحْمَدُ -رحمهم الله-.

نعم: لأنها تُعْتَقُ بموت سَيِّدِهَا، فيتبعها وَلَدُهَا كالمستولدة، ولأن وَلَدَ الحرة حُرٌّ، وَوَلَدُ الرقيقة رَقِيقٌ.

وإذا نذر هَدْياً أو أُضْحِيَةً، يكون للولد حُكْمُ الأم، فكذلك هاهنا. ثم قيل: القولان مَبْنِيَّانِ على أن التدبير وَصِيَّةٌ، أو تعليق عتق بصفة، إن قلنا: وصية لم يتبعها الوَلَدُ، وإن قلنا: تعليق يتبعها، وهذه طريقة المزنى، والصحيح وبه قال ابن سُرَيْجٍ وأبو إسحاق -رحمهم الله-: أنهما مَبْنِيَّيْنِ على أنه وَصِيَّةٌ أو تعليق، بل القولان جَارِيَانِ على القولين جميعاً؛ لأنه نَصَّ على قولين في أن وَلَدَ المعلق عتقها؟ هل يَتْبَعُهَا على ما سنذكر، ويقال: إنه مع التفريع على أن التدبير وَصِيَّةٌ؛ ذكر في وَلَدِ المدبرة قولين.

وفي "الشامل" أن بعضهم قال: القولان في الوَلَدِ مَخْصُوصَانِ بما إذا قلنا: إن


(١) رواه مالك [٢/ ١٦٢] في الموطأ عن نافع عنه بهذا، والشافعي عنه به.
(٢) في ز: منها.
(٣) في أ: مديرك.
(٤) حكى هذا النووي عن الأكثرين وحكايته عن الأكثرين في أصل كلام المصنف ممنوع، فإنه لم يقله، وإنما نقل الأول عن ترجيح الإِمام والبغوي ونقل ترجيح السراية عن أبي حامد والقفال. نعم صرح في الشرح الصغير بذلك فقال أظهرهما عند أكثرهم أنه يسري.

<<  <  ج: ص:  >  >>