للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه يحكم بالحرية مُؤَاخَذة له بِإِقرَارِهِ.

وأصحهما -وقد نص عليه-: أنه لا يُؤَاخَذُ به، ويحمل قوله على ظَاهِرِ الحال؛ وهو صِحَّةُ الأَدَاءِ.

والوجهان كالوجْهَيْنِ فيما إذا خرج المبيع مُسْتَحَقًا، وكان قد قال في مُخَاصَمَةِ المدعي: إنه كان مِلْكاً لفلان إلى أن ابتعته منه أنه: هل يرجع بالثمن على بائعه؟

واقتصر صاحب "التهذيب" علىَ إِيرَادِ الوَجْهِ الأَصَحِّ في المسألتين، ثم قال: ولو [اختلفا] (١) فقال المُكَاتَبُ: أعتقتني بقولك: أنت حُرٌّ، وقال السيد: أردت أنك حُرٌّ بما أَدَّيْتَ، وبَانَ أنه لم يَصِحَّ الأَدَاءُ، فالقول قَوْلُ السيد مع يَمِينِهِ.

وهذا السِّيَاقُ يَدُلُّ على أن مُطْلَقَ كَلاَمِ السيد مَحْمُولٌ على أنه حُرٌّ بما أدى؛ وإن لم يخبر عن (٢) إرادته. وذكر الصَّيدلاَنِيُّ أن قِيَاسَ تَصْدِيقِ السيد في المسألة أنه لو قيل لرجل: طلقت امرأتك؟ فقال: نعم طَلَّقْتُهَا. ثم قال: إنما قلت ذلك على ظَنِّ أن اللَّفْظَ الذي جرى بيننا طَلاَقُهُ، ثم راجعت المفتيين فقالوا لا يَقَعُ بها شَيْءٌ، وقالت المَرْأَةُ: بل أردت إنشاء الطَّلاَقِ. والإقرار بِطَلاَقٍ آخر أنه يقبل قوله مع يَمِينِهِ.

وكذا الحُكْمُ في مثله في العِتْقِ، وهذا قد ذَكَرَهُ غيره، ونقله القاضي الرُّوَيانِيُّ، ولم يعترض عليه. ولكن قال الإِمَامُ: هذا عندي وَهْمٌ وغَلَطٌ، فإن الإِقْرَارَ جرى بصريح الطَّلاَقِ، فَقَبُولُ قوله بِنَاءً على ما يَدَّعِيهِ، ويتعارض فيه صِدْقُهُ، وكذبه مُحَالٌ، ولو فتح هذا البَابَ لما استَقَرَّ إقْرَارُ المقر به، وليس ذلك كإطلاق لفظ الحرية على أنه قَبَضَ النجوم، فإنه مَحْمُولٌ على الإِخْبَارِ عما يقتضيه القَبْضُ.

وفي مسألة الطَّلاَقِ لم توجد الإِشَارَة إلى واقعة، وإنما وجد سؤال مطلق، وجواب مُطْلَق (٣).


(١) في ز: أخلفا.
(٢) في ز: يجزعني.
(٣) قال في الخادم: ما حكاه عن الصيدلاني والروياني في مسألة الطلاق جزم به الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص والفرواني في الإِبانة ولم يحكيا فيه خلافاً وجرى عليه في الوجيز وتابعه صاحب الحاوي الصغير وشهد له ما قاله الخوارزمي في الكافي في ما إذا قال بعت هذه الدار من فلان ثم قال ظننت هذا البيع صحيحاً فأقررت ثم بأن أن لا عيب فالأصح في زوائد الروضة بطلان الفسخ لأنه بغير حق لكن ذكر في تصحيح التنبيه أن الوارث إذا أجاز الوصية بأكثر من الثلث ثم قال أجزت لأن ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه أن الأصح أنه لا يقبل قوله ومثله ما حكاه في البحر في آخر باب العفو عن المهر لو قال لرجل أبرأتك من ألف درهم، وهو لا يعلم أن له عليه شيئاً، ثم علم أنه كان له عليه ألف درهم، قال الأصحاب: تصح البراءة في الحكم، ولا يقبل قوله أني لم أعلم ذلك، وهل يبرأ في الباطن فيما بينه وبين الله تعالى وجهان: =

<<  <  ج: ص:  >  >>