للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ الَّذِي آتاكُمْ} [النور: ٣٣] وذهب أبو حَنِيْفَةَ ومالك: إلى أن الإيتَاءَ يُسْتَحَبُّ، وليس بِوَاجِبٍ، واختاره القاضي الرُّويَانِيُّ في "الحلية".

والإيتاء بأن يَحُطَّ عنه شيئاً من النُّجُومِ، أو يبذل شيئاً، ويأخذ النُّجُومَ. أما الثاني فظاهر، فإن البَذْلَ إيتاء؛ وهو المَأْمُورُ به في الآيَةِ وأما الحَطُّ فقد روي ذلك عن الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم- قَوْلاً وفِعْلاً منهم: علي وابن عمر -رضي اللهُ عنهم-.

وحكي خلاف عن الأصحاب -رحمهم الله- في أن الأَصْلَ في الإيتَاءِ البَذْلُ، والحَطُّ بدل عنه أو الأمر بالعكس.

وجه الأول: أن ظاهر الآيَةِ يُشْعِرُ به.

ووجه الثاني: أن المَقْصُودَ إِعَانَتُهُ ليعتق، والإِعَانَةُ في الحَطِّ محققة، وفي البَذْلِ مَوْهُومَةٌ؛ فإنه قد ينفق المال في جِهَةٍ أخرى. وهذا أَظهر، ويحكى عن نَصِّهِ -رضي الله عنه- في "الأم"، ولذلك نقول: الحَطُّ أَوْلَى من البَذْلِ. ثم في الإِيتَاءِ مَسَائِلُ:

إحداها: في مَحَلِّ الإيتاء، وهي الكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ، وفي وجوبه في الفاسدة وَجْهَانِ:

أظهرهما: المنع؛ وبَنَاهُمَا بَعْضُهُمْ على أن الأَصْلَ الحَطُّ، أو البذل، إن قلنا بالأَوَّلِ لم يجب؛ فإن النجوم غَيْرُ ثَابتَةٍ فيها حتى يجب الحَطُّ، وإذا لم يثبت الأَصْلُ لم يثبت البدل وهو البذل وإن قلنا: الأَصْلُ البَذْلُ؛ فلا يمتنع إيجَابُ شيء على السَّيِّدِ تشبيهاً (١) للكتابة الفَاسِدَةِ بالصحيحة, كما شَابَهَتْهَا في حُصُولِ العِتْقِ وغيره.

وإذا أوجبنا فيها الإيتَاءَ، فمن قَضَايَاهَا: استِحْقَاقُ السيد قيمة الرقبة، فلو حَطَّ شيئاً منها عن جِهَةِ الإِيتَاءِ كَفَىَ. ومن أعتق عَبْدَهُ على عِوَضٍ، أو باعه من نفسه فلا إِيتَاءَ عليه في ظاهر المذهب، وهو المَذْكُورُ في الكتاب. وعن رِوَايَةِ الشيخ أبي محمد وَجْهٌ: أنه يجب الإِيتَاءُ في كل عَقْد عتاقة على عِوَضٍ، ولا خِلاَفَ في أنه لا يجب في الإعتاق (٢) بغير عوض.

والثانية: في وقته ومتى يجب؟

فيه وجهان:

أحدهما: بعد العتق لتكون بُلْغَةً له؛ كما تجب المُتْعَةُ بعد الطَّلاَقِ.

وأصحهما -وبه قال أبو إِسْحَاقَ-: أنه يجب قبل العِتْقِ ليستعين به على تحصيل


(١) في ز: شبهاً.
(٢) في ز: أي إعتاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>