للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أنفق السَّيِّدُ عليه؛ لأنه لا يتبرع به، وإنما أنفق على أنه عَبْدُهُ. ولو أقام المُكَاتَبُ بعد ما أَفَاقَ بَيِّنَةً، على أنه كان قد أَدَّى النَّجُومَ، حكم بِعِتْقِهِ، ولا رُجُوعَ للسيد عليه؛ لأنه لبس وأَنْفَقَ على عِلْمٍ بحريته فيجعل (١) مُتَبَرِّعاً، فلو قال: نسيت (٢) الأدَاءَ، فهل يقبل ليرجع؟ فيه وجهان:

وإن وجد السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَب في جُنُونهِ مَالاً، فقد تَقَدَّمَ أن له أن يَسْتَقلَّ بِأَخْذِهِ، وحكينا عن الإِمَامِ -رحمه الله- تَفْصِيلاً فيه.

وقوله في الكتاب: "إِذْ تمكينه من هذا أَوْلَى من منعه حتى يفسخ ويأخذ المال مَجّاناً"، ليس المَقْصُودُ منه ما لو مَنَعْنَاهُ من الاسْتِقلاَلِ بالأَخْذِ، فيفسخ، ويأخذ المال من جِهَةِ أنه كَسْبُ عَبدِهِ، فإنه لا يفسخ إن (٣) كان هناك مال، ولكن يراجع الحاكم ليسلمه إليه، ولكنه أراد أنه لو لم يرض المُكَاتَبُ إذا أفاق بالعِتْقِ والأَدَاءِ، فإن السَّيِّدِ يفسخ، ويأخذ المَالَ من جهَةِ أنه كَسْبُ عَبْدِهِ، ثمل الإعْتَاقُ بِيَدِهِ لا مَدْفَعَ له، وإذا كان كذلك، فَتَمْكِينُهُ من الأخْذِ، وعِتقُهُ من جهة الكتابة أوْلَى، فقد يفضل شَيْءٌ من أَكْسَابِهِ ويسلم له. وعبارة "الوسيط" تُفْهِمُ ذلك.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الخَامِسُ: المَوْتُ وَتَنْفَسِخُ الكِتَابَةُ بِمَوْتِ العَبْدِ وَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً لِتَعَذُّرِ العِتْقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا مات المُكَاتَبُ قبل أن يُؤَدِّيَ النُّجُومَ، انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ، ومات رَقِيقاً حتى لا يورث، وتكون أكْسَابُهُ للسيد، وتَجْهِيزُهُ عليه؛ لأن مورد العَقْدِ الرَّقَبَةُ، والمقصود مُرْتَقَبٌ فيها، فإذا فاتت كان فَوَاتُهَا كَتَلَفِ المبيع قبل القَبْضِ، ولا فَرْقَ بين أن يخلف وفاءً بالنجوم أو لا يخلف، ولا بين أن يكون البَاقِي من النُّجُومِ قَلِيلاً أو كثيراً، وسواء حَطَّ شيئاً، أو لم يحط.

وإن كان الإيتَاءُ وَاجِباً؛ قال في "الشامل": لأن الإِيتَاءَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فلا يسقط به شيء معلوم. وعن نصه في "الأم" -رضي الله عنه- أنه لَو أَحْضَرَ المُكَاتبُ؛ المَالَ ليدفعه إلى السيد، أو دفع المَالَ إلى رَسُولِهِ؛ لِيُوَصِّلَهُ إليه، فمات قبل أن يَقْبِضَهُ السَّيِّدُ، مات رقيقاً أيضاً.

وأنه لو وَكَّلَ المُكَاتَبُ بدفع النجم الأخير إلى السَّيِّدِ، ومات المكاتب، فقال أولاده الأحرار: إن الوَكِيلَ دَفَعَهُ قبل موته، وإن مات حُراً. وكذبهم السيد فهو


(١) في أ: فجعل.
(٢) في ز: كسبت.
(٣) في أ: إذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>