للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإِمام: تَجْوِيزُ الامْتِنَاعِ عن أَدَاءِ النجوم، مع أنه لا يملك الفَسْخَ بعيد (١).

وقال أَبُو حَنِيْفَةَ ومالك: إن كان في يَدِهِ وَفَاءٌ بالنجوم، لم يَجُزْ له تَعْجِيزُ نفسه، بل يُجْبرُ على الأَدَاءِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّابعُ إِذَا جُنَّ العَبْدُ وَقُلْنَا: لاَ يَنْفَسِخُ فَلهُ الفَسْخُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَللقَاضِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ لِيُعْتَقَ إِنْ رَأَى المَصْلَحَةَ لَهُ فِي الحُرِّيَّةِ، وَللسِّيِّدِ أَيْضاً أنْ يَسْتَقِلَّ بأَخْذِ النُّجُومِ إِذْ تمْكِينُهُ مِنْ هَذَا أَوْلَى مِنْ مَنْعِهِ حَتَّى يَفْسَخَ وَيأَخُذَ المَالَ مَجَّاناً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد مَرّ أن الكتابة لا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ العَبْدِ، فإن حَاوَلَ السَّيِّدُ الفَسْخَ، فلا بد وأن يأتي الحَاكِمُ فَيُثْبِتُ عَقْدَ الكتابة، وحُلُولَ النجم ويبدي المطالبة به، ويحلفه الحاكم على بَقَاءِ الاسْتِحْقَاقِ، ثم يبحث فإن وجد للْمُكَاتَبِ مَالاً أَدَّاهُ عن الواجب عليه ليعتق، ويخالف ما إذا كان المكَاتَبُ غَائِباً، وله مالٌ حاضر، حيث قال: لا يُؤَدِّيهِ عنه، وفرق بينهما بأن الغَائِبَ من أَهْلِ النَّظَرِ لنفسه، ولو كان حَاضراً فربما امتنع وعَجَّزَ نَفْسَهُ، وربما فسخ الكتابة في غيبته.

والمجنون ليس من أَهلِ النَّظَرِ، فينوب عنه الحَاكِمُ.

ثم عَامَّةُ الأصحاب أَطْلَقُوا القَوْلَ بأن الحاكم يُؤَدِّي عنه.

وذكر صاحب الكتاب هاهنا وفي"الوسيط" أنه يُؤَدِّيهِ إن رأى المَصْلَحَةَ له في الحرية، وإن رأى أنه يضيع إذا عُتِقَ فلا يُؤَدِّيِهِ، وهذا جَيِّدٌ، ولكنه قليل النفع، مع قولنا: إن السَّيِّدَ إذا وجد له مَالاً يَسْتَقِلُّ بأخذه، إلاَّ أن يقال: إن الحاكم يمنعه من الأخذ، والحالة هذه، وإن لم يجد الحاكم له (٢) مَالاً، فَيُمَكنُ السَّيِّدُ من الفَسْخُ؛ فإذا فسخ عاد المُكَاتَبُ قِنًّا له، وعليه نَفَقَتُهُ.

ثم إن ظهر له مَالٌ، أو أفاق، وأتي بمال كان قد حَصَّلَهُ قبل الفَسْخِ دفع إلى السيد [و] حكم بعتقه، ونقص التعجيز هكذا أَطْلَقُوهُ. وأَحْسَنَ الإِمَامُ فقال: إن ظهر المَالُ في يَدِ السَّيِّدِ رد التعجيز، وإلاَّ فهو نافد؛ لأنه فسخ حين تَعَذَّرَ عليه الوُصُولُ إلى حَقِّهِ، فأشبه ما لو كان مَالُهُ غائباً، فحضر بعد الفَسْخِ.

وإذا حَكَمْنَا بِبُطْلاَنِ التعجيز، وكان السيد جَاهِلاً بِحَالِ المال، فعلى المُكَاتَبِ رد


(١) وهذا الذي رجحه نقله الإِمام عن المراوزة، وحكى الأول عن العراقيين ثم غلطهم بتجويزهم الامتناع عن الأداء فيما قاله نظر، فإن نص الشافعي في الأم ان ولاية الفسخ بحد العجز أو عند الامتناع من الأداء للسيد مع التصريح بأن له الاعتراض عن الاداء.
(٢) في أ: المكاتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>