للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخرج بما ذكرنا: إنه لا يعتبر مُضِيُّ مُدَّةِ إِمْكَانِ المَسِيرِ إلى السَّيِّدِ إن كان له وَكِيلٌ هناك، وأنه يُعْتبَرُ مُضِيُّهَا إن لم يكن وَكيلٌ وكذلك نَقلَهُ الرَّبِيعُ.

وعن رواية المُزَنِيِّ أنه لا يَفْسِخَ حتى تَمْضِيَ مُدَّةُ إِمْكَانِ المسير، سواء كان هناك وَكِيلٌ، أو لم يَكُنْ وعدّ ذلك سهواً منه.

وقوله في الكتاب: "فَلَيْسَ له الفَسْخُ حتى يخبره أنه نَدِمَ على الإِنْظَارِ ليس في ظَاهِرِهِ تَعَرُّضٌ للرفع إلى الحَاكِم، ولكتاب الحاكم، لكنه الذي ذكره الشَّافِعِىُّ -رضي الله عنه- والأَصْحَابُ -رحمهم الله- بل لا بد من الحَمْلِ عليه.

نعم؛ قال القاضي ابْنُ كَجٍّ: لو لم يكن في بَلَدِ السَّيِّدِ حَاكِمٌ، فكتب السيد إلى العبد، وأعلم الحال، وأمره بالتَّسْلِيمِ إلى رَجُلٍ عَيَّنَهُ، فامتنع، فَعِنْدِي: أنه كما لو امْتَنَعَ بَعْدَ كتاب القَاضِي، إذا وقع له العِلْمُ به. وذكر أبو الحُسَيْنِ فيه وجهين، وحكى وجهين فيما لو سَلَّمَ المُكَاتَبُ إلى وكيل السيد، وبَانَ [أن] السَّيِّدَ عَزَلَهُ؛ هل يَبْرَأُ المُكَاتَبُ؟

قال: وعندي أن الوجهين مَخْصُوصَانِ بما إذا قال الحاكم: إن فلاناً وَكَّلَهُ، ولم يأمره بالتَّسْلِيمِ إليه، فَيَبْرَأُ بلا خِلاَفٍ. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ: أَنْ يَمْتَنِعَ مَعَ القُدْرَةِ فَلَهُ الفَسْخُ إذِ الكتَابَةُ جَائِزَةٌ (ح و) مِنْ جَانِبِ العَبْدِ، وَلَهُ أن يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَفْسَخَ مَهْمَا شَاءَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وإذا امتنع العَبْدُ من أَدَاءِ النُّجُومِ مع القُدْرَةِ لم يُجْبَرْ عليه؛ لأن الكتابة جَائِزَةٌ من جانب العَبْدِ، فله تَعْجِيزُ نَفْسِهِ إذا شاء. قال الأَصْحَابُ -رحمهم الله-: وإنما كانت الكتَابَةُ جَائِزَةً من جانب العَبْدِ، بخلاف جانب السَّيِّدِ؛ لأن الخَطَّ في الكتابة للعبد، فلا يَتَمَكَّنُ السَّيِّدُ من إِسْقَاطِ ما أَثْبَتَهُ من الخَطِّ والحَقِّ، وصاحب الخط بالخِيَارِ في حقه.

وهذا كما أن الرَّهْنَ جَائِزٌ من جانب المُرْتَهِنِ، لاَزِمٌ من جِهَةِ الرَّاهِنِ، وأيضاً فالكتابة تتضمن تَعْلِيقَ العِتْقِ بصفة في العَبْدِ، والتعليق يلزم من جهة المُعَلّقِ، والعَبْدُ لا يلزمه الإِتْيَانُ بالصفة المعلق عليها.

وإذا عَجَّزَ نَفْسَهُ، فالسيد بالخِيَارِ بين أن يفسخ، أو يجيز، وإذا اختار الفَسْحَ، فله الفَسْخُ بنفسه، ولا يحتاج إلى الرَّفْعِ إلى القاضي.

وهل لِلْمُكَاتَبِ الفَسْخُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ إذ لا ضَرَرَ عليه في بَقَاءِ الكِتَابَةِ.

وأظهرهما -وهو المذكور في الكتاب-: نعم؛ كما أن للمرتهن أن يَفْسَخَ الرَّهْنَ أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>