للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وإلاَّ فَلاَ. وإن أَدَّى قبل العِتْقِ، فهو تَبَرُّعٌ، وتَبَرُّعُ المُكَاتَب بغير إِذْنِ سَيِّدِهِ غير جائز، وبإذنِهِ فيه قولان؛ يأتيان من بَعْدُ إن شاء الله تعالى.

فإن لم يعلم السيد بأنه يُؤَدِّي عن غَيرِهِ، بأن ظَنَّ أنه كَسْبُ المُؤَدَّى عنه، وأنه يُؤَدِّيهِ بِإِذْنِهِ، فهو تَبَرُّعْ بغير إِذْنِ السيد، وإن علم الحال فوجهان:

أظهرهما: أنه تَبَرُّعٌ بِالإِذْنِ، وأخذه عن عِلْمٍ بالحال قَائِمٌ مقام صريح الإِذْنِ.

والثاني: -وهو اختيار صاحب "التهذيب"- أنه لا يجعل ذلك إِذْناً، بل لا بد من التَّصْرِيح بالإِذْنِ، فإن صَحَّحْنَا الأَدَاءَ لم يرجع المُؤَدِّي على السَّيِّدِ، ويرجع على المُؤَدَّى عَنْهُ إن أَدَّى بِإذْنِهِ، ولا يرجع إن أدى بغير إِذْنِهِ.

وإذا ثبت له الرُّجُوعُ عليه -بأن كان قد عُتِقَ- فذلك، وإلاَّ فَيَأْخُذُهُ مما في يَدِهِ، وَيُقدم على النجوم؛ لأنه لا [بَدَلَ] (١) له، ولِحَقِّ السيد بَدَلٌ عند العُذْرِ، وهو رَقَبَةُ العبد، ولأن دَيْنَ الرَّاجِعِ لاَزِمٌ لا يمكن إِسْقاطه، والنجوم يمكن إِسْقَاطُهَا، بأن يعجز المكاتب نفسه.

وإن لم نصحح الأَدَاءَ، فلا رُجُوعَ للمؤدي على المُؤَدَّى عنه، ولكنه (٢) يَسْتَرِدُّ من السيد مَا دَفَعُهُ إليه ما لم يُعْتَقْ، والسيد يُطَالِبُ المؤدى عنه بما عليه، فإن حَلَّ نَجْمٌ على المُؤَدِّي وَقَعَ في التَّقَاص، وإن لم يَسْتَرِدَّ من السيد، حتى أَدَّى النُّجُومَ، وعتق، فالنَّصُ أنه لا يَسْتَرِدُّ حينئذ، ونَصَّ فيما إذا جَنَى السَّيِّدُ على مُكَاتَبهِ، فعفا عن الأَرْشِ الثَّابِتِ له على السيد، وأَبْطَلنَا العَفوَ، بِنَاءً على رَدِّ تَبَرُّعَاتِهِ، ثم عتق أَن له أَخْذَ الأَرْشِ.

فقال أَكْثَرُ الأَصْحَاب: في الصورتين قولان، وأطلق مُطْلِقُونَ في المسألة وجهين من غير تَعَرُّضٍ لِلنَّصَّيْنِ:

أحدهما: لا يأخذ شَيْئاً؛ لأن المَانِعَ من صِحَّةِ تَبَرُّعِهِ الرِّقُّ، وخوف فوات العتق، وقد ارتفع هذا المَانِعُ.

والثاني: يأخذ؛ لأن أَدَاءَهُ وعَفْوَهُ لم يَصِحَّ حينئذ، فلا يَنْقَلِبُ صحيحاً بزوال الرِّقِّ، وبنى الخلاف على القولين في تَصَرُّفَاتِ المُفْلِسِ؛ أهي باطلة أو موقوفة؟

إن أَبْطَلنَاهَا؛ فالأَدَاءُ والعَفْوُ بَاطِلاَنِ.

وإن قلنا: هي مَوْقُوفَةٌ، فالأداء والعفو مَوْقُوفَانِ، فإذا عُتِقَ بَانَ صِحَّتُهُمَا.

ولو كاتب رَجُلاَنِ كُلُّ وَاحِدٍ منهما عَبْدَهُ، ثم أَدَّى أحدهما عن الآخر، بغير إذن السيد، لم يصح أَدَاؤُهُ، وإن أَدَّى بِإذْنِ السَّيِّدِ، ففيه قولان. وعن القَفَّالِ: أنه إذا (٣) انْضَمَّ


(١) في ز: لا يدل.
(٢) في أ: ولكن.
(٣) في أ: إن.

<<  <  ج: ص:  >  >>