للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن باع المُكَاتَب، فللسيد الأَخْذُ بالشُّفْعَةِ، وإنما كان كذلك؛ لأن الغَرَضَ من الكتابة تَحْصِيلُ العِتْقِ، والعِتْقُ يَحْصُلُ بِأَدَاءِ المَال؛ فينبغي أن يمَكَّنَ من التصرف الذي يستعين (١) به على العِتْقِ.

وعن أبي إِسْحَاقَ توجيهه بأن المُكَاتَبَ هو المَالِكُ لما في يَدِهِ، دون السيد؛ إلاَّ أنه يُمْنَعُ من تفْوِيتِ المال كَيْلاَ يَعْجَزَ، فيفوت العِتْقُ، فلو ثبت لِلْمُكَاتَبِ دَيْنٌ على سَيِّدِهِ عن مُعَامَلةٍ، وكان للسيد عليه النجوم، أو دَيْنُ معاملة، ففي التَّقَاصِّ تَفْصِيلٌ، واختلاف لا يَخْتَصُّ بالسيد والمكاتب.

وجملة القول فيه: أنه إذا ثَبَتَ لِشَخْصٍ دين على آخر، وللآخر دَيْنٌ على الأول، إما عن جِهَةٍ واحدة، أو عن جهتين، كَسَلَمٍ وقَرْضٍ، أو قَرْضٍ وثَمَنٍ؛ فإما أن يكون الدَّيْنَانِ نَقْدَيْنِ، أو لا يكونا كذلك؛ فإن كَانَا نَقْدَيْنِ؛ فَيُنظر: أهما من جِنْسٍ وَاحِدٍ، أو من جِنْسَيْنِ، إن كانا من جِنْسٍ واحد، واتَّفَقَا في الحُلُولِ، وفي سائر الصِّفَاتِ، ففيه أربعة أقوال:

أحدها: ويحكى عن نَصِّهِ -رضي الله عنه- في "الصَّرْفِ": أنهما لا يَتَقَاصَّانِ وإن رَضِيَا به؛ لأنه إِبْدَالُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وبَيْعُ الدَّيْنِ بالدين مَنْهِيٌّ عنه، فلا بد وأن يأخذ أَحَدُهُمَا ما على الآخر، ثم إن شاء دَفَعَهُ إليه، بما عليه ليخرج عن صورة بَيْعِ الدَّيْنِ بالدين.

والثاني: إنه إذا رَضِيَ أحدهما بالمقَاصَّةِ، كفى وسَقَطَ الدَّيْنَانِ؛ لأن مَنْ عليه الدَّيْنُ يُؤَدِّيهِ من حَيْثُ يشاء.

وإذا رَضِيَ أَحَدُهُمَا، وقد أَدَّى ما عليه بما له في ذِمَّةِ الآخر، ويخالف ما إذا أراد أن يَقْضِيَهُ بِدَيْنٍ على الغَيْرِ، فإنه قد لا يرضى المُسْتَحِقُّ بِذمَّةِ ذلك الغير.

وأيضاً: فإن أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذا دَعَا إلى فَصْلِ الأَمْرِ بالقسمة يُجْبَرُ الآخَرُ عليه؛ فكذلك هاهنا.

والثالث: أنه لا بد من رِضَاهُمَا، وإلاَّ فَلِكُلِّ واحد منهما مُطَالَبَةُ الآخر بما عليه؛ لأن المُقَاصَّةَ كالحِوَالَةِ في إِبْدَالِ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ، وفي الحِوَالَةِ لاَ بُدَّ من رضا المَحِيلِ والمُحْتَالِ.

والرابع: أن التَّقَاصَّ يحصل بنفس ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ، ولا حَاجَةَ إلى الرضا؛ لأن مُطَالَبَةَ أحدهما الآخَرَ، بِمِثْلِ ما عليه عَنَاءٌ، ولا فائدة فيه. وكذلك نقول: لو كان على وَارِثهِ دَيْنٌ، فمات سَقَطَ، ولا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ. وأشار في "الوسيط" إلى تَرْجِيحِ هذا القَوْلِ الأخير.


(١) في ز: ليستعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>