المُكَاتَب فهي صَحِيحَةٌ، وإن لم تكن مُسْتَقرَّةً، كما تصح الوَصِيَّةُ بالحَمْلِ، وإن لم يكن مَمْلُوكاً في الحال، فإن أدَّاهَا فهي للموصى له، وَوَلاَءُ المُكَاتَب للسيد، وإن عَجَزَ، فللوارث تَعْجِيزُهُ، وفسخ الكتابة، وإن أَنظَرَهُ الموصى له (١).
وهل لِلْمُوصَى له إبراؤه عن النجوم؟
أبدى القاضي ابْنُ كَجٍّ فيه احْتِمَالَيْنِ -ويُرْوَيانِ عن القاضي الحسين-:
أحدهما: نعم؛ لأنه يَمْلِكُ الاسْتِيفَاءَ، فيملك الإِبْرَاءَ.
والثاني: لا؛ لأنه ملّكه استيفاء النجوم، ولم يملّكه تَفْوِيت الرَّقَبةِ على الورثة.
ولو أوْصَى لوَاحِدٍ بِرَقَبَتِهِ إن عجز، ولآخر بالنجوم، صحت الوَصِيَّتَانِ، ثم إن أَدَّى المال بَطَلَتِ الوصية الأولى، لكان رُقَّ بَطَلَتِ الثانية.
ولو أوصى لإنسان بما يُعَجِّله مكاتبه، فلم يُعَجِّلْ شيئاً، وأَدَّى النجوم في مَحَلِّهَا بَطَلَتِ الوصية، ولا يُجْبَرُ على التعجِيلِ لتنفيذ الوَصِيَّةِ.
هذا في الكتابة الصحيحة.
أما إذا كَاتَبَ عَبْدهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً ثم أوصى بِرَقَبَتِهِ؛ فإن كان عالماً بفَسَادِ الكِتَابَةِ صَحَّتِ الوَصِيَّةُ.
قال الصَّيْدَلاَنيُّ وغيره -رحمهم الله- وتَتَضَمَّنُ الوَصِيَّةُ فَسْخَ الكتابة.
وإن كان يَظُنُّ صِحَّتَهَا، ففي الوصية قولان:
أحدهما: لا تصح؛ لأنه أَوْصَى، وعنده أن ما يأتي به لَغْوٌ.
والثاني: أنها صَحِيحَةٌ اعْتِبَاراً بحقيقة الحال. وهذا أشبه عند المُزَنِيِّ وغيره.
ومنهم من طَرَدَ القَوْلَيْنِ فيما إذا كان عَالِماً بفَسَادِ الكتابة؛ لأن الكتابة الفَاسِدَةَ كالصحيحة، في حصول العِتْقِ وغيره، بخلاف ما إذا باع بَيْعاً فَاسِداً، ثم أَوْصَى بالمَبِيعِ، وهو عالم بِفَسَادِ البيع تصح الوصية قولاً واحداً؛ لأن البيع الفَاسِدَ ليس كالصَّحِيحِ.
وأما إذا أوصى بالمَبِيعِ جَاهِلاً بِفَسَادِ البيع، فهو على القَوْلَيْنِ في الوصية.
ولو باع المُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً، أو المَبِيعَ بَيْعاً فاسداً، أو وهب أو رهن وهو جَاهِلٌ بالفساد فطريقان:
(١) وعلله في البيان في باب الوصايا بأن حق الورثة تعلق بعينه وحق الموصى له بما في ذمته فكان حق الورثة آكد. قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر؛ لأن الحق للموصى له بدليل أنه إذا أبرأه عتق ولا حق لصاحب الرقبة.