للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى الشيخ أبو عَلِيٍّ في "شرح الفروع" وَجْهاً بَدِيعاً، وبعيداً عن ابن أَبِي هُريْرَةَ أن له بَيْعَهُ، ثم قال: وهذا فَاسِدٌ، ولا يجوز لأحد أن يملك أباهُ، فيبيعه، وتكون نَفَقَتُهُ في كَسْبِهِ، وما يَفْضُلُ يكون لِلْمُكَاتَب يستعين به في أَدَاءِ النجوم، فإن مَرِضَ أو عَجز أَنْفَقَ المُكَاتَبُ عليه؛ لأنه من صَلاَحِ مِلْكِهِ، وليس هذا كالإنْفَاقِ على أَقَارِبِهِ الأَحْرَارِ، حيث يمنع منه؛ لأن ذلك مَبْنِيٌّ على المُوَاسَاةِ.

فان جنى القريب على إنسان بيع في الجِنَايَةِ، وليس لِلْمُكَاتَب أن يَفْدِيَهُ، بخلاف ما إذا جنى عَبْدُهُ؛ يجوز له أن يَفْدِيَهُ؛ لأن الرَّقَبةَ تبقى له، فيصرفها إلى النجوم.

الثالثة: ليس له الشِّرَاءُ بالمُحَابَاةِ، ولا البَيْعُ بالغَبْنِ؛ لما فيه من التَّبَرُّعِ، وتَفْوِيتِ المال. وعن أبي حَنِيْفَةَ أن له أن يَبِيعَ بما عَزَّ وهَانَ، كما ذكر في الوَكِيلِ، ولا يبيع بالنَّسيئة؛ لأن إِخْرَاجَ المَالِ عن اليَدِ، بلا عِوَضٍ في الحال تَبرُّعٌ، وأيضاً ففيه خَطَرٌ، وسواء باع بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أو أكثر، ولا فَرْقَ بين أن يَسْتَوْثِقَ بالرَّهْنِ والكفيل، أو لا يَسْتَوْثِقَ، وكذا لا يقرض، وإن استوثق؛ لأن الكَفِيلَ قد يُفْلِسُ، والرَّهْنُ قد يَتْلَفُ، ويحكم الحاكم المرفوع إليه بِسقُوطِ الدَّيْنِ.

ويجوز أن يَبِيعَ ما يُسَاوِي مائة بمائة نَقْداً، وبمائة نسيئة، ولو اشْتَرَى نَسِيئةً بثمن النَّقْدِ يجوز، ولا يرهن به؛ فإنه قد يَتْلَفُ، وإن اشْتَرَاهُ بثمن [النسيئة]، (١) لم يَجُزْ؛ لما فيه من التَّبرُّعِ. كذلك ذكره في "التهذيب".

وفي "جمع الجوامع" للروياني: أنه يَجُوزُ، إذ لا غَبْنَ فيه، وفرقوا بين (٢) المُكَاتَبِ، وبين الوَلِيِّ، حيث يبيع مال الطفل نسيئة، وَيَرْهَنُ، وَيَرْتَهِنُ للحاجة، أو المَصْلَحَةِ الظاهرة، وبأن المرعي هناك مَصْلَحَةُ الطفل، والولي مَنصُوبٌ لينظر له [وها هنا المطلوب العِتْقُ والمرعي مصلحة السيد، والمكاتب غير منصوب لينظر له] (٣) وقد ذكرنا في "كتاب الرَّهْنِ" أن بعضهم سَوَّى بينه وبين الوَلِيِّ في البيع نسيئة، وفي الرَّهْن والارتهان، فيجوز أن يُعَلَمَ لذلك قوله هاهنا: "ولا يبيع [بالنسيئة] " (٤) بالواو.

وأَلْحَقَ صَاحِبُ الكتاب هناك المُكَاتَبَ بالولِيِّ في جَوَازِ الرَّهْنِ، لكن الذي أَطْلَقَ عليه عَامَّةُ الأصحاب -رحمهم الله- وأَوْرَدَهُ هاهنا: المَنْع، ويشبه أن يتوسط، فيقال: إن دَعَتْ ضَرُورَة إلى البَيْعِ والرهن، كما في وقت النَّهْبِ فله ذلك حِفْظاً للمال. وإن كان يَرَى فيه مَصْلَحَةً لم يُمَكَّنْ منه؛ لأنه ليس نَاظِراً للسَّيِّدِ، حتى يَتَحَمَّلَ الخَطَرَ لِمَصْلَحةٍ يَرَاهَا، بخلاف الوَلِيِّ، والله أعلم. وإذا باع أَوِ اشْتَرَى لم يسلم ما في يَدِهِ، حتى يَتَسَلَّمَ


(١) في ز: النسبة.
(٢) سقط في: ز.
(٣) سقط في: ز.
(٤) في ز: بالنسبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>