العِتْقَ. وإن قلنا بالتَّوَقُّفِ؛ فلو مات المُعْتِقُ قبل عتقِ المُكَاتَبِ، وعَوْدِهِ إلى الرِّقِّ، ففي المِيرَاثِ قَوْلاَنِ عن رواية الشيخ أبي حَامِدٍ:
أظهرهما: أنَ المِيرَاثَ مَوْقُوفٌ أيضاً.
والثاني: أنه للسيد، ولا يُوقَفُ المِيرَاثُ؛ كان وَقَفَ الوَلاءُ؛ لأن الوَلاَءَ قد يثبت لِلشَّخْصِ، ثم يَنْتَقِلُ إلى غَيْرِهِ، فلا يبعد فيه التَّوَقُّفُ، بخلاف المِيرَاثِ.
ومنهم من نقل بَدَلَ الثَّانِي أنه يُصْرَفُ إلى بَيْتِ المَالِ، كما إذا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْداً، ولَحِقَ بِدَارِ الحَرْبِ، فاسْتُرِقَّ، وعُتِقَ مكاتبه، ومات يُصْرَفُ مَالُهُ إلى بيت المال.
وهذا والثاني ما أوْرَدَهُ في الكتاب، وأهمل الأَوَّلَ الذي هو الأظهر.
وقوله: "حتى يعتق المكاتب يوماً ... " إلى آخره اتِّبَاعٌ (١) لما نَقَلَهُ الإِمَامُ. ويجوز أن يُعَلَمَ قوله: "يوماً" بالواو إِشَارَةً إلى ما هو الأَظْهَرُ، وهو أنه لا يُوقَفُ حتى يُعْتَقَ يوماً من الدَّهْرِ، أو يَمُوتَ رَقِيقاً، بل يُوقَفُ إلى أن يُعْتَقَ بموجب الكِتَابَةِ، أو يظهر رِقُّهُ بالعَجْزِ، أو المَوْتِ.
ولو كاتَبَ المكَاتَبُ عَبْدَهُ بإذن السَّيّدِ؛ قال الإِمَامُ: يحتمل أن يُلْحَقَ بهِبَاتِهِ، ويحتمل أن يُلْحَقَ بِتَنْجِيزِ العِتْقِ.
وهذا الثاني هو الذي أَوْرَدَهُ الأصحاب -رحمهم الله- ونَصَّ -رضي الله عنه- عليه في "المختصر" فيعود الطَّرِيقَانِ في صِحَّةِ الكِتَابَةِ، والقولان في الوَلاَءِ تَفْرِيعاً على الصِّحَّةِ، إذا عتق المكاتب الثاني يحتمل أن يُعْتَقَ الأول، كان عُتِقَ الأول، ثم الثاني، فَوَلاءُ الثاني للأول. وفي نِكَاحِ المُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ طريقان:
أحدهما: أن في صِحَّةِ القولين في تَبرُّعَاتِهِ بالإِذْنِ؛ لأنه يلزمه المَهْرُ والنَّفَقَةُ، وفيه بَذْلُ مَالٍ لا في مُقَابَلَةِ مَالٍ.
وهذا ما رَجَّحَهُ الإِمَامُ، ويوافقه مُطْلَقُ لفظ الكتاب، فإنه قال: "وكل ذلك إن جرى بِإِذْنِ السَّيِّدِ، ففي نفوذه قولان" ومن جملة ذلك الزواج.
وأظهرهما: عند الأَكْثَرِينَ؛ القَطْعُ بالصِّحَّةِ؛ لأن المُكَاتَبَ أَحْسَنُ حَالاً من العبد القِنِّ، والعبد القِنُّ يَنْكَحُ بالإِذْنِ، فالمُكَاتَبُ أَوْلَى.
والمعنى فيه أن النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إليه لِلتَّحْصِينِ، وسَائِرُ المصالح المتعلقة به والهِبَةُ وما في معناها لا يَلْحَقُ به.
(١) في ز: ابتاع.