للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينزل الاسْتِيلاَدُ منزلة الاسْتِهْلاَكِ، حتى أن اسْتِيلاَدَ المَرِيضِ مَرَضَ المَوْتِ، كَاسْتِيلاَدِ الصَّحِيحِ في النُّفُوذِ من رَأْسِ المَالِ، كإنْفَاقِ المَالِ، في الكَفَّارَاتِ (١) والشَّهَوَاتِ.

وكما يَثْبُتُ الاسْتِيلاَدُ بانْفِصَالِ الوَلَدِ الكَامِل، يَثْبُتُ بإلْقَاءِ المُضْغَةِ التي ظَهَرَتْ فيها خِلْقَةُ الآدَميِّينَ، أو ظهر فيها التَّخْطِيطُ لكلَ أَحَدٍ، أو لِلْقَوَابِلِ، وأَهْلِ الخِبْرَةِ من النِّسَاءِ.

وإن لم يظهر وَقُلْنَ: إن ما أَلْقَتْهُ أصْلُ الآدَمِيِّ، ولو بقي لتصور فالأصح أنه لا يثبت به الاستيلاَدُ، وقد ذَكَرْنَا فيه من الطُّرُقِ في "كِتَابِ العِدَّةِ" وغيره.

ثم الكَلاَمُ في صُوَرٍ تَتَعلَّقُ بأَحْكَامِ المُسْتَوْلَدَة:

منها: لا يَجُوز بَيْعُ المُسْتَوْلَدَةِ، ولا رَهْنُهَا، ولا هِبَتُهَا، ولا الوَصِيَّةُ بها؛ لما روي عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أُمُّ الوَلَدِ لاَ تُبَاعُ، وَتعْتَقُ بِموْتِ سَيِّدِهَا" (٢) ويقال: إنَّ الصَّحَابَةَ -رضي الله عنهم- اتَّفَقَتْ عليه في عَهْدِ عمر، وعثمان -رضي الله عنهما- ومَشْهُورٌ عن عَلِيٍّ -كرم الله وَجْهَهُ- أنه قال: اجتمع رَأْيي ورَأي عُمَرَ على أن أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ لا يُبَعْنَ.

ويروى علي عتق أمهات الأولاد، ثم رَأَيْتُ بعد ذلك أن أَقْضِيَ بِبَيْعِهِنَّ، فقال عَبيدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُكَ مع رَأْي عُمَرَ أَحَبُّ إلينا من رَأْيِكَ وَحْدَكَ. فيقال: إنه رَجَعَ عن ذَلِكَ. وعن الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- ميل القَوْلِ في بَيْعِهِنَّ في مَوَاضِعَ واختلف فيه الأَصْحَابُ -رحمهم الله- فذهب مُعْظَمُهُم إلى أنه ليس للشافعي -رَضِيَ الله عنه- فيه اخْتِلاَفُ قول، وأَشَارَ بميل القول إلى مَا رُوِيَ في تَجْوِيزه عن عَلِيٍّ وابن الزُّبَيْرِ -رضي


= وقال الشيخ البلقيني في تصحيح المنهاج: يستثنى منه المكاتب إذا أحبل أمته والراهن المعسر إذا أحبل أمته المرهونة الرَّهْن اللازم بالقبض ومالك الجانية المعسر الجانِة جناية توجب مالاً متعلقاً برقبتها، والوارث إذا أحبل أمة التركة التي انتقلت إليه وحده وهو معسر، والجارية المنذور التصدق بها أو قيمتها والجارية الموصى بإعتاقها الخارجة من الثلث، ثم قال: وأما المبعض إذا ملك أمة ببعضه الحر ثم وطئها فأحبلها وأتت بولد فنص الشافعي في الأم أنها لا تصير أم ولد، ثم حكى قولاً آخر ثم اختار أنه يثبت الاستيلاد وأن الماوردي جزم بذلك ثم قال ويستثنى من كلامه يعني المنهاج الصبي إذا استكمل تسع سنين إذا وطئ أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر لحقه ولا يحكم ببلوغه مع أنه يختار ثبوت الاستيلاد، وقول المصنف "أمته" أي وكذا المشتركة إذا استولدها الشريك وكان موسراً بحصة الشريك فإن كان معسراً فيثبت الاستيلاد في حصته خاصة وأفهم كلامه أيضاً أنه لا يثبت الاستيلاد بإحبال أمة غيره ويستثنى منه إذا أحبل السيد أمة مكاتبه وكذا إذا أحبل الأب الحر أمة فرعه ولم تكن مستولدة فرعه فإنه يثبت الاستيلاد.
(١) في الروضة: اللذات.
(٢) أخرجه الدارقطني بمعناه، وقد سبق إسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>