وقوله:(شاكاً) في لفظ الكتاب لا ضرورة إليه، والغرض حاصل بقوله فيتوهم.
وقوله:(لزمه الإتمام) يجوز أن يعلم بالحاء؛ لأنّا حكينا عن مذهب الإمام أبي حنيفة أن نِيَّة الإمام المسافر لا تلزم المأمومين القصر، فما ظنك بتوهمها.
الثانية: لو نوى القصر وَصَلَّى ركعتين ثم قام إلى الثّالثة، نظر: إن حدث أمر موجب الإتمام كنية الإتمامْ أو نية الإقامة في ذلك الموضع، أو حصوله في دار الإقامة بانتهاء السفينة إليها، وقام لذلك - فقد أتى بما ينبغي وإن لم بحدث شيء من ذلك؛ فإن قام عمداً بطلت صلاته، كما لو قام المتم إلى ركعة خامسة، وكما لو قام المتنفل إلى ركعة زائدة قبل تغير النية، وإن قام سهواً ثم تذكر، فعليه أن يعود ويسجد لِلسَّهْوِ ويسلم؛ فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد إلى القعود، ثم نهض مُتِمًّا، وفي وجه له أن يمضي في قيامه، ولو صلى ثالثة ورابعة سهواً وجلس للتشهد ثم تذكر سجد لِلسَّهْو -وهو قَاصِرٌ- ورَكْعَتَا السَّهْو غير محسوبتين بل يلزمه أن يقوم ويصلي ركعتين أخريين، ثم يسجد للسَّهْوِ في آخر صلاته؛ ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب:(فليقم ويصل ركعتين أخريين) بالميم؛ لأن صاحب "البيان" حكى عن مالك أن المسافر إذا نوى القصر لم يكن له أن ينوي الإتمام ويزيد على نيته الأولى.
وأعلم: أن لفظ الكتاب في أول النظر الثالث يوهم حصر شرط القصر في الاثنين المذكورين، لكن له شروط اُخر.
منها: أن يكون مسافراً من أول الصَّلاة إلى آخرها، فلو نوى الإقامة في أثناء الصَّلاة، أو كان يُصَلِّي في السَّفِينة فانتهت إلى دار إقامته -لزمه الإتمام؛ لأن سبب الرخصة قد زال، فتزول الرخصة كما لو كان يصلِّي قاعداً لمرض فزال المرض يجب عليه أن يقوم؛ ولو شرع في الصَّلاة مقيماً، ثم سارت به السفينة، فكذلك يلزمه الإتمام، تغليباً للحضر في العبادة التي اشترك فيها الحضر والسفر، ولو شَكَّ هل نوى الإقامة أم لا، أو دخل بلدًا بالليل وشك في أنه مقصده أم لا؟ يلزمه الإتمام؛ لأنه شك في سبب الرخصة، والأصل الإتمام فصار كما لو شَكَّ في بقاء مدة المسح لا يمسح.
ومنها: العلم بجواز القَصْر، فلو جهل جوازه وقصر لم يجزه؛ لأنه عابث في اعتقاده غير مصلي؛ يحكى ذلك عن نصه في "الأم"(١).
(١) قال النووي: ويلزمه إعادة هذه الصلاة أربعاً لإلزامه الإتمام والصورة، فيمن نوى الظهر مطلقاً، ثم سلم من ركعتين عمداً، أما لو نوى جاهل القصر الظهر ركعتين متلاعباً، فيعبدها مقصورة إذا علم القصر بعد شروعه. الروضة (١/ ٤٩٨).