يصح عصره ويعيدها بعد الظُّهْرِ، ولو قدم الظُّهْر وبان فسادها بسبب فالعصر فاسدة أيضاً.
والثانية: نية الجمع، تمييزاً للتقديم المشروع على التقديم سهواً وعبثاً، ومتى ينوي الجمع نَصَّ في الجمع بالسفر أنه ينوي عند التحرم بالأولى أو في أثنائها، ونص في الجمع بالمطر أنه ينوي عند التحرم بالأولى، واختلف الأصحاب على طريقتين:
إحداهما: تقرير النصين.
والفرق أن نية الجمع ينبغي أن تقارن سبب الجمع؛ وداوم السَّفَرِ في الصلاة الأولى شرط فجيمعها وقت النية، وأما المطر فلا يشترط دوامه في الأولى كما سيأتي، ويتشرط في أولها، فتعين وقتاً للنية.
وأصحهما -وبه قال المزني-: أن فيهما قولين نقلاً وتخريجاً:
أحدهما: أنها شرط في الفصلين عند التحرم كنِيَّةِ اَلْقَصْرِ.
وأصحهما: أنها لو وقعت في أثنائها جاز أيضاً؛ لأن الجمع هو ضم الثَّانِيَة إلى الأولى، فإذا تقدمت النِّيَّة على حالة الضم حصل الغرض، وتفارق نية القصر، لأنها لو تأخرت لتأدى بعض الصَّلاة على التمام، وحينئذ يمتنع القصر، وعلى هذا فلو نوى مع التَّحلُّلِ.
قال الإمام: رأيت للأئمة تردداً فيه، كان شيخي يمنعه، وذكر الصيدلاني وغيره أنه يجوز؛ لوجود النية في الطرفين، الطرف الأخير من الظهر، والطرف الأول من العصر، وعلى هذا يَدِلُّ نَصُّ الشافعي -رضي الله عنه-، ثم قال المسعودي والصيدلاني وغيرهما: وخرج المزني قولاً ثالثاً: وهو أنه لو نوى بعد الكلام على قرب وصلى الصلاة الأخيرة جَازَ، كما لو سلَّم من اثنتين وقرب الوقت يبني، وإن طال فلا وهذا تخريج منه للشافعي -رضي الله عنه-، وحكوا عن مذهبه أن النية الجمع ليست مشروطة أصلاً، فإن الجمع معنى ينتظم الصلاتين، ولا عهد بنية تجمع بين صلاتين، وجعل الصيدلاني مذهبه وجهاً لأصحابنا، فليكن قوله في الكتاب:(ونية الجمع) معلماً بالزاي والواو، ويجوز أن يعلم قوله:(ولا يجوز في أول الثانية) بهما أيضاً.
وقوله:"أو في وسطها" معلم الواو (١) للقول الصائر إلى اشتراط النية في أولها، واعتبار الوسط يقتضي المنع فيما إذا نوى مع التحلل إذ لا تكون النية حينئذ في الوسط، وهذا ما سبق عن الشَّيْخ أبي محمد، والظَّاهر عند الأكثرين خلافه.