للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد من الطَّاعة في لفظ الكتاب المندوب، وإلا فالواجب طاعة أيضاً، وهل كون السَّفَر طاعة عذر في إنْشَائه بعد الزوال؟ المفهوم من كلام الأصحاب أنه ليس بعذر، ورووا عن أحمد أنه عذر.

والثاني: أن لا ينقطع عن الرفقة، ولا يناله ضَرَرٌ لو تَخَلَّفَ إلى أن يصلّي الجمعة، فإما إذا انقطع وفات سفره بذلك أو ناله ضرر، فله الخروج بلا خلاف، وكذلك الحكم لو كان الخروج بعد الزَّوال، وقد عددنا ذلك من الأعذار في الصَّلاة بالجماعة، ورأيت في كشف "المختصر" للشيخ أبي حاتم القزويني، ذكر وجهين في جواز الخروج بعد الزوال لِخوف الانقطاع عن الرفقة.

والثالث: أن لا يمكنه حضور الجمعة في منزله وطريقه، فأما إذا أمكن ذلك فلا منع بحال (١).

قال الغزالي: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرْجَى زَوَالُ عُذْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهرَ إِلَى اليَأْسِ عَنْ دَرْكِ الجُمُعَةِ، وَمَنْ لاَ يَرْجُو فَلْيُعَجِّلِ الظُّهْرَ كَالزَّمَنِ، فَإِنْ زَالَ العُذْرُ بَعْدَ الفَرَاغِ فَلاَ جُمُعَةَ (ح) عَلَيْهِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَزَوَالُ العُذْرِ فِي أَثْنَاءِ الظُّهرِ كَرُؤْيَةِ المُتَيَمِّمِ المَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ.

قال الرافعي: الخامس من الفروع: المعذرون، وهما ضربان: معذور يرجو زوال عذره، كالعبد يتوقع العتق، والمريض الذي يتوقع الخِفَّة، فالمستحب له تأخير الظُّهْر إلى اليأس من إدراك الجمعة، لأنه رُبَّمَا يزول العذر، وَيتَمَكَّن من فرض أهل الكمال، ومتى رفع الإمام رأسه من الرّكُوعِ الثَّانِي فقد حَصَل اليأس عن إدراك الجمعة، وعن بعض الأصحاب أنه يراعي تصور الإدراك في حق كل أحد، فإذا كان منزله بعيداً وانتهى الوقت إلى حد لو أخذ في السَّعْيِ لم يُدْرِك الجمعة فقد حصل الفوات في حقه، هذا أحد الضربين.

والثاني: معذورٌ لا يرجي زوال عذره كالمرأة والزَّمِن، فالأولى له أن يُصَلِّي الظُّهْرَ في أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لأنه آيس من درك الجمعة فيحافظ على فضيلة الأولية (٢)، وإذا اجتمع


(١) قال النووي: تحريم السفر المباح. والطاعة قبل الزوال، وحيث حرمناه بعد الزوال فسافر، كان عاصياً، فلا يترخص ما لم تفت الجمعة، ثم حيث كان فواتها يكون ابتداء سفره، قاله القاضي حسين وصاحب "التهذيب" وهو ظاهر. الروضة (١/ ٥٤٤).
(٢) قال النووي: هذا اختيار أصحابنا الخراسانيين، وهو الأصح، وقاله العراقيون: هذا الضرب كالأول فيستحب لهم تأخير الظهر لأن الجمعة صلاة الكاملين فقدمت، والاختيار التوسط فيقال: إن كان هذا الشخص جازماً بأنه لا يحضر الجمعة، وإن تمكن منها، استحب تقديم الظهر، وإن كان لو تمكن أو نشط حضرها، استحب التأخير كالضرب الأول. الروضة (١/ ٥٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>