معذورون فَهَلْ يستحب لهم الجماعة في الظُّهْرِ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، بل الجماعة في هذا اليوم شِعَار الجُمُعَة، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة.
وأصحهما: نعم؛ لعموم الترغيبات الواردة في الْجَماعة، وعلى هذا فَقَدْ نَصَّ الشَّافعي -رضي الله عنه- على أن المستحب لَهُم الإخفاء حتى لا يتهموا، بالرَّغْبَة عن صَلاَة الإمام، وحمل الأصحاب ما ذكره على ما إذا كان العذر (١) خَفِيًّا، أما إذا كان ظاهراً فلا تهمة، ومنهم من لم يفصل واستحب الإخفاء مطلقاً، ولو صلى المعذور الظُّهْرَ قبل فوات الجُمُعَة صَحَّت، فإنها فَرْضُه، ولو زال العُذْر وأمكنه حضور الجمعة لم يلزمه ذلك؛ لأنه أدَّى فرضه وقته.
ومثال ذلك المريض يبرأ والمسافر يقيم والعبد يعتق، ويستثنى عن هذا الأصل صورة ذكرها في البيان، وهي أن يصلي الخُنْثَى الظهر، ثم يتبين أنه رَجُل قبل فوات الجُمُعة، تلزمه الجمعة؛ لأنه تبين كونه رَجُلاً حين صَلَّى الظُّهر، ومثل هذا لا يفرض في سائر المعذورين، وأما الصبي إذا صَلَّى الظُّهر ثم بلغ لم تلزمه الجمعة على ظاهر المذهب كسائر المعذورين، والمسألة مكرَّرة في هذا الموضع، فذكرها والخلاف فيها في بابت المواقيت، ثم هي داخلة في مطلق قوله:(فإن زال العذر إلى آخره) فلو طَرَحها لما ضَرَّ من وجهين، وإذا لم يفعل فيجوز أن يكون قوله:(وكذا الصَّبِيُّ) مرقوماً بالحاء والواو لما بَيَّنَّاه، ثم هؤلاء يستحب لهم حضور الجمعة، وإن لم يلزم، وإذا صلوا الجمعة فالفرض هو الظهر السابقة، أو يحتسب الله تعالى بما شاء منهما؛ فيه قولان أصحهما أولهما.
قال أبو حنيفة: إذا سَعَى إلى الجمعة بعد الظُّهْرِ بطل ظهره، ولو زال العذر في أثناء الظُّهْرِ، فقد قال إمام الحرمين: أجرى القفال ذلك مجرى ما لو رأى المتيمم الماء في الصَّلاة، وهذا يقتضي إثبات الخلاف في البطلان، لما ذكرناه في رؤية المتيمم الماء في الصَّلاة، وقد صَرَّح الشيخ أبو محمد، فيما علق عنه حكاية وجهين في هذه المسألة، وظاهر المذهب استمرار الصَّلاة على الصِّحة، قال الإمام: وهذا الخلاف، مبني على قولنا:"إن غير المعذور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة" فإن صححنا فلا نحكم بالبُطْلاَن بِحَالٍ.